الجارية «ثمل».. أول امرأة تشغل منصب قاضي القضاة في تاريخ العرب
من المثير للجدل في قصة الجارية ثمل الكهرمانة للقصر العباسي في ظل حكم المعتضد بالله، والتي قربتها الجارية شغب، وعملت على تنصيبها في منصب قاضي القضاة، أنها قصة أقرب إلى قصص ألف ليلة وليلة، ولكنها حدثت بالفعل في زمن الخلافة العباسية.
بداية حياتها
فالجارية شغب وهي زوجة الخليفة العباسي المعتضد بالله، قامت بالحيل والمؤامرات التي بها صفت كافة غريماتها من النسوة والمحظيات والجواري المقربات للخليفة بمساعدة هذه الجارية ثمل، وكانت ثمل جارية ابتيعت للخليفة العباسي في نفس توقيت شراء الجارية شغب، وقيل أنهما كانا رفقة في سوق الجواري.
ثم قربتها أكثر فاتخذتها كهرمانة للقصر أو "قهرمانة"، وهذه الوظيفة في ظل الدولة الأموية والعباسية هي أكبر وظيفة يمكن أن تشغلها المرأة في القصر، والقهرمان هو القائم والوكيل والحافظ لما تحت يده، وهي كلمة فارسية تعني أمناء الملك، أو القائم بأمور الملك.
فكانت تتولى حفظ المال وغيره وإنفاقه، وبيدها حفظ الطعام والمأكولات، وكذلك التدبير والإدارة لما في القصر من كل شيء سواء طعام أو شراب أو حفلات أو جواري أو خدم أو حرس الملك.
وبعد أن ولدت الجارية شغب ابنها من المعتضد طفلها المقتدر، كانت تساعدها الجارية ثمل باعتبارها مساعدتها وكهرمانة القصر، فساعدتها في التخلص من كافة غريماتها من النسوة والجواري.
ولايتها لمنصب قاضي القضاة
وبعد وفاة الخليفة المقتدر، تولى ابنه الأكبر لكنه لم يلبث طويلا حتى توفي، وبعض المؤرخين يقولون بأن سبب وفاته كانت شغب بمساعدة ثمل، وكان عمر المقتدر بالله ابن شغب لايتجاوز الثالثة عشرة، عندما تولى خلافة الدولة العباسية بعد أخيه الأكبر.
وحكم ولاية أم المقتدر عليه لصغره، فقد ذكر المؤرخون بأن السيدة شغب والدة المقتدر بالله استغلت هذا الأمر فأدارت هي الحكم، وتدخلت في شؤونه وتوسعت سلطتها ونفوذها على الدولة العباسية.
وقد استعانت ام المقتدر بشخصيات نسائية أخرى لإعانتها في إدارة شؤون الدولة من أهمهن وصيفتها الجارية ثمل، فأرادت أن ترد لها الجميل الذي قدمته لها ومساعدتها في الوصول لسدة الحكم.
فأمرت أم المقتدر بتعيين الجارية ثمل في منصب قاضي القضاة، وأن تجلس في دار المظالم برصافة بغداد سنة 306 هـ، فكانت تنظر ثمل في الشكاوي التي يكتبها الناس كل يوم جمعة وهو موعد جلوسها في دار المظالم.
كما عينت لها مساعدها القاضي أبا الحسن ابن الأشناني في تخطي رفض الناس وفي مهنتها، فحسن أمرها وأصلح عليها، وخرجت التوقعيات وعليها خطها على سداد، وكان يحضر في مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان، وكانت تحكم وتصدر الأوامر باسم الخليفة المقتدر.
نهاية فترة قضائها
ومع توليها هذا المنصب، رأت ثمل أن تغير أسمها إلى أم موسى الكهرمانية، وبمرور الوقت شب خلاف بين ثمل وبين أم المقتدر بسبب طموح ثمل السياسي، فقد كانت تطمح في منصب الوزير الأول للخليفة العباسي.
وهنا اتهمتها أم المقتدر بأنها تسعى في أخذ العرش من ابنها المقتدر، وألصقت بها تتهم اختلاس من أموال الدولة، وقد أدى هذا الخلاف إلى تنحية ثمل من منصبها كقاضية عام 310 هـ، واعتقالها واعتقال أصهارها وأتباعها، وصودر من أموالها مليون دينار.
وفاتها
توفيت الجارية ثمل عام 317هـ، وقد قال عنها بعض المؤرخين والعلماء الذين عاصروها كالطبري، أنها: "قامت بمهمتها خير قيام، وبأن رفض الناس الأولى لتوليها القضاء تحول لاحقا إلى محبة بسبب الإصلاحات التي قامت بها".
أما ابن حزم الأندلسي، فقد وضع تولي الجارية ثمل من ضمن أحداث اعتبرها من غرائب الدهر في التاريخ الإسلامي، وكتبها في كتبه، وروى قصتها كأنها أعجوبة وحدوتة من حواديت ألف ليلة وليلة.