«الجارية شغب».. الجميلة التي قادها جمالها لحكم الدولة العباسية
الدولة العباسية هي ثاني السلالات الحاكمة الإسلامية بعد الأمويين، استطاع العباسيون أن يزيحوا بني أمية من الحكم ويأخذوا الخلافة منهم، وقد أسس الدولة العباسية رجال من سلالة العباس بن عبد المطلب، أصغر أعمام الرسول عليه الصلاة والسلام.
وشخصية اليوم ليست بعيدة عن العباسيين، بل إنها اصبحت واحدة منهم، وتزوجت خليفة وأنجبت خليفة وحكمت الدولة العباسية قرابة العقدين في عز مجد الدولة العباسية، إنها الجارية شغب.
من هي شغب؟
هي جارية غير عربية بيعت للخليفة العباسي المعتضد بالله، لتكون ضمن حاشية الخدم في قصر الخلافة العباسية، فأعجب بها وبجمالها فظل يقربها له حتى تزوجها فأنجبت منه الخليفة العباسي الثاني المقتدر بالله، وحصلت على اللقب الرسمي لها "السيدة" ولم يكن أسمها "شغب" حيث كان اسمها ناعم، ولكن الخليفة المعتضد هو من أطلقه عليها.
استطاعت شغب أن تحكم الدولة العباسية ما يقرب من العقدين، كما كانت وراء تعيين أول قاضية سيدة للقضاة في بغداد، وأنشأت واحدا من أبرز البيمارستانات في التاريخ الإسلامي.
زواجها من الخليفة
عرف عن الخليفة العباسي المعتضد بالله بأنه كان مولعا بالجواري الحسان، فكان كل سوق ينزل ويشتري منهن الجميلات، حتى أن بعض المؤرخين قالوا بأن عدد الجواري اللاتي امتلكهن المعتضد بلغ الأربعة آلاف جارية من مختلف الأقطار.
وذات يوم نزل المعتضد إلى السوق فرأى جارية نحيفة القوام ولكنها ذات جمال ملفت وأخاذ، وعندما سأل عنها، قيل له إنها ناعم، جارية من جواري أم القاسم بنت محمد، فأرسل المعتضد في طلب شرائها.
ولما أصبحت ناعم ملكه، قضى معها فترة، حيث كن الجواري ملك يمين لأصحابهن، ثم انصرف عنها إلى جارية أخرى كان قد اشترها في إحدى الأسواق، وأمر بأن يتم وضع ناعم وسط مئات الجواري في جناح الحريم.
لكن هذا التصرف جعل من ناعم ناقمة على الخليفة، فأخذت تفتعل المشاكل وتشاكس الخليفة، وتتدلل عليه وتتغزل فيه حتى زاد شغبها، فازداد الخليفة العباسي هياما بها فعاد إليها مرة أخرى، وهنا كانت العودة مختلفة، حيث حملت منه وأنجبت ولدا.
لما علم الخليفة العباسي بحمل ناعم غضب غضبا شديدا وضربها وشتمها، وحبسها في جناح الحريم، وأمرها ألا تخرج منه حتى تنجب ثم تعتكف على تربية ابنها.
بداية الطريق للحكم
ويبدو أن شغب لم تكن بهذه السذاجة، فا زالت تسعى حتى جعلت المعتضد يعود إليها ولا يكل، فتجاوزت الشغب إلى تصفية غريماتها من الجواري، اللواتي كانت ترى أنهن يعجبن الخليفة؛ فكانت تدبر المؤامرات لتصفيتهن.
ويذكر المؤرخون أن من بين الجواري التي قتلتهن شغب الندى بنت أحمد بن طولون صاحب الدولة الطولونية، ومنهن الجارية دريدة التي أحبها الخليفة المعتضد وأنشأ لها حمام سباحة خاص بها، كما قتلت أيضا الجارية فتنة، أم القاهر بالله بعدما علمت بحملها من المعتضد.
وهنا خلا الطريق للوصول إلى الحكم مع الخليفة العباسي، وكانت لشغب جارية اسمها ثمل، ساعدتها في أن الوصول إلى سدة الحكم، وكانت المفاجأة التي لم تكن في حسبان شغب وهي وفاة الخليفة المعتضد.
فقد توفي المعتضد سنة 289، وتولى ابنه البكر علي الخلافة ولقب نفسه “المكتفي”. وكان يبلغ خمسا وعشرين سنة، بينما المقتدر ابن شغب، كان في السادسة من عمره.
ولكن القدر لم يمهل المكتفي سنوات قليلة حتى أصيب بالمرض وتوفي، وهنا خلا العرش لابن شغب، كان المقتدر أصغر من تولى الحكم في تاريخ الدولة العباسية، واعتلت شغب لأول مرة باسم ولايتها لابنها عرش الحكم.
وكان أول ما فعلته، إصدار الأمر بتحريم النطق بلقب شغب، ليصبح اسمها الرسمي “السيدة أم المقتدر”، كما منعت النطق بلقب “ثمل” وأعطتها لقبا جديدا هو أم موسى الكهرمانة، وجعلتها وصيفتها الخاصة وكهرمانة القصر العباسي.
وبما أن ثمل ساعدتها كثيرا فقد أعطتها سلطة عزل الوزراء، ثم أعطتها منصب قاضي القضاة، وهو منصب من أرفع المناصب في الدولة العباسية، وكان حكرا على الرجال إلى أن تولته ثمل سنة 306 هجرية.
وأصبحت الجارية ثمل تجلس في الرصافة ببغداد كل يوم جمعة، لتنظر في شكاوى الناس وقضاياهم، ويجلس معها القضاة والفقهاء وكبار الموظفين والحجاب، لتنفيذ أحكامها التي كانت تنفذ على عجل بدعم من شغب.
أول مستشفى تخصصي
وفي سنة 306هـ، قامت شغب بإنشاء بيمارستان "مستشفى" على نهر دجلة متخصص في علاج السموم، وذلك بسبب هوسها بابتداع السموم العصية على الكشف، وقد ضم البيمارستان قسما مخصصا لمعالجة مرضى العشق، وكان المشرف علي البيمارستان الطبيب سنان بن ثابت بن قرة وخصصت له مبلغا تجاوز 600 دينار.
نهايتها ووفاتها
لم يدم الحكم لشغب وابنها المقتدر سوى عقدين، ولم يمهل الأتراك في العراق آنذاك الخليفة المقتدر وأمه شغب، حتى اعتلى القاهر الحكم، فأمر بسجن شغب وقتل المقتدر، فحزنت على موت ابنها فماتت بحزنها في العام 321هـ.