حازم البهواشي يكتب: (الفلوس)!!
مهما اختلف نوع
العُملة، ذهبيةً كانت أم فضيةً أم ورقية، فإن لها مفعولَ السحر، وتختلف قوةُ المفعول
باختلاف قيمة العُملة، هذه حقيقةٌ أزلية.
رؤية الفلوس تشرح
النفوس، وصوت ماكينة الـ (ATM) يُحيي الأمل في أن القادم أفضل، وأن الحياة ممكنة!!
ورغم قيمة المال
إلا أنه لا يُساوي شيئًا عند أُمٍّ فقدت ابنها غِيلَةً، ووصلوا بالدِّيَة إلى مائة
مليون جنيه، لكنها أبت الصفح، وقالت: (يموت زي ما موّت ضناية)!! هذه قصة حقيقية حدثت
يا سادة، ربما لا يُصدقها إلا الأمهات!!
حين يمتلك المرء
(الفلوس) يشعر بالقوة، حتى إذا خارت قواه الجسمانية يتأكد أن (الفلوس) لا تستطيع أن
تُعيدَها!! إنها تشتري الدواء لكنها لا تشتري الشفاء، تشتري الطعام لكنها لا تشتري
( النِّفس ) التي تأكل!! هبْ أن مشكلتَك مادية، فهل في الغِنَى بُعدٌ وخلاصٌ من المشكلات؟!
ستبتعد عن نوعٍ من المشكلات لتقتربَ من نوع آخر، هذه حقيقة مؤكدة؛ فالمشكلات لا تنتهي،
المهم كيف تتعامل معها أيا كان نوعها.
في فيلم ( صاحب
الجلالة ) ( عُرِضَ في نوڤمبر 1963م _ فريد شوقي / سميرة أحمد / فؤاد المهندس _ قصة
وسيناريو وحوار: السيد بدير _ إخراج: فطين عبد الوهاب )… على لسان فريد شوقي:
_ (الدنيا دي غريبة،
الكبار فيها مكوشين على كل شيء)!! فيكون الرد على لسان (سميرة أحمد):
_ (إلا الحب يا
مولاي، الفلوس تشتري أي شيء إلا القلوب). هذه أيضًا حقيقة مؤكدة، لذلك فهنيئًا لمن
ملك القلوب لا الأجساد !!
حذارِ أن تقنعَ
بالفقر وتظنَّ ذلك رضا!! بل عليك أن تسعى وترضى بنتيجة السعي.
حذارِ أن تترك من
يسرقك وتظن أن ذلك عفوًا؛ فالعفو لا يكون إلا عند المقدرة.
تكبَّرَ قارون وتجبَّرَ
بالمال، حتى خُسِف به، وانقلب حالُ الذين تمنَّوا مكانه بالأمس، ففهِموا أن الله يبسط
الرزق لمن يشاء من عباده، ويُضَيِّقُ على من يشاء، وفي المَنح اختبار وفي المَنع اختبار،
فإذا شكرتَ نجحتَ، وإذا صبَرتَ نجحتَ، وهذا هو المطلوب.
ومع أننا جميعًا
نعلم ذلك، فلا تزال في الأموال، للجميع آمال، حتى وإن سَلبتْ عقولَ ذوي الألباب، ولا
يمكن لنا أن نَكْرَهَ الغِنى واليسار، يقول رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _: (نِعْمَ
المالُ الصالحُ للرجلِ الصالح) الذي يُطوع الدنيا للآخرة، أما (الأموال) التي تجعل
صاحبَها يتكبر ويتجبر، فبئست هي!!
لا تزال (الفلوس)
تُذِل الأعناق، وتكشف ستر الأعراض، وتُخضِع المحتاج،، ويبيع البعضُ نفسَه لأجلها!!
الفلوس تجعلك تخسر أصحابك، وتبيع مبادئك، وتُدخلك السِّجن!!
حين يجد سائق (
تاكسي ) حقيبةَ أموال فيسلمها للشرطة، نحتفي به _ وهذا حقه _، لكن الأمر يدل على أن
الأمانة قد عزّت، وكأنه من الطبيعي في هذا الموقف أن يأخذ السائقُ الحقيبة لا أن يسلمها!!
روى أجدادُنا أن
صاحبًا لجُحا قال له: (سلفني جنيه)، فرد جُحا: (بوس إيدي)!! تعجب الصاحب وقال: (أبوس
إيدك علشان تسلفني جنيه)؟!! فردَّ جُحا: (أيوه، ما انا بُكرة أبوس رِجْلَك علشان أخده
منك)!! والحكمة من الحكاية ظاهرة، فلا أحد يُسدد ما استلفه من مال إلا بعد جُهد جهيد!!
وحينئذ ربما تخسر صاحبك بسبب (الفلوس)!!
تأمل معي آخر منولوج على المسرح لنجيب الريحاني ( ٢١ يناير ١٨٨٩م_ ٨
يونيو ١٩٤٩م ) من عرض (الدنيا على كف عفريت):
الفلوس يا مُنجي
يا مغيث،
خللت الناس هَردبيس
(ملغبطين)،
والضماير طلطميس
(بلهاء لا تفقه شيئا)،
داهية تقطع دي الفلوس!!
الفلوس ياما بتعللي
خسيس،
وياما بتوطي حسيس،
هي فيها مغناطيس؟!!
ولا إيه سر الفلوس؟!!
نصح الأبُ ابنه
يومًا فقال: (لا تتخلَّ عن ذرةٍ من استقامتك في مقابل المال أو السلطة أو الشهرة، واحْــكــُـمْ
على نجاحِك بما اضطُرِرتَ للتخلي عنه حتى يتحقق، وتذكرْ أنَّ السعادةَ لا تأتِي مِنَ
المُقتنيات أو السُّلطة أو المَكانة الاجتماعية، بلْ تأتِي مِنَ العَلاقاتِ التي تُقِيمُها
معَ أشخاصٍ تُحِبُّهُم وتَحترمُهُم).