رعلة بنت المضاض.. الجميلة أم العرب وزوجة إسماعيل النبي

قسم المؤرخون العرب إلى ثلاثة أقسام، الأول: وهم العرب العاربة، وهؤلاء أبناء قحطان، واتخذوا أرضَ اليمن لهم موطنًا، فلمّا تنبأ الكهّان بانهيار سدّ مأرب ارتحلت أربع قبائل منهم إلى بلاد الشام، وهم: جذام ولخم وعاملة والأزد، فسكنت جميعها بلاد الشام.

وأما الثاني: فهم العرب البائدة، وهم من باد من العرب، أي أبيدوا ولم يوجد منهم أحد، وهؤلاء سكنوا مواضع متفرقة من أرض العرب والجزيرة العربية، والثالث هم العرب المستعربة،  وهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وشخصية اليوم التي معنا هي أم العرب المستعربة وهي رعلة بنت المضاض.

من هي بنت المضاض

هي رعلة بنت المضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هيّ بن بَيّ بن جُرْهُم، وجرهم قبيلة كانت تسكن وشبه الجزيره العربية، ونزلوا بـمكة عند هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام قادمين من اليمن، وعندما كبر إسماعيل تزوج منهم السيدة رعلة ابنتهم.

وهي زوجة إسماعيل ابن النبي إبراهيم خليل الله رضي الله عنهما، وأم العرب المستعربة، وهم الطبقة الثالثة بعد العرب البائدة والعرب العاربة، وهي أيضا أم القحطانيين والعدنانيين جميعا.

وفي أصحاب الأنساب من يسميها (السيدة بنت مضاض)، فقد تزوج إسماعيل بها وهي  من جرهم، ورزق منها اثني عشر ولدا، وهم من توالد من نسلهم الأنبياء، وهم أباء العرب اليوم جميعا.

ووالدها هو المضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب، تولى زعامة مكة بعد وفاة نبط و قيدار ابني إسماعيل عليه السلام، ونبط أو نابت هو الابن الأول لإسماعيل، وقيدار هو الابن الثاني له من رعلة.

وكانت رعلة من جميلات قبيلة بنو جرهم، وكان جمالها يأثر كل من يراها، وكان أبناء عمومتها يطلبونها للزواج منذ صغرها، غير أن أبيها المضاض بن عمرو كان يقول لهم أن ابنته سوف تتزوج من رجل ذو شان كبير.

زواجها من النبي إسماعيل

هاجر إبراهيم الخليل من العراق مع زوجته سارة وابن أخيه لوط، وفي الطريق مروا على بلد بها حاكم سمى جبار، وكانت زوجته السيدة سارة أحسن النساء، فقال لها إبراهيم: إن هذا الحكم لهذا البلد كافر طاغية ولو علم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلماً غيري وغيرك.

فلما دخل أرضه رآها بعض أعوان جبار، فأوصل الخبرلجبار، فقال: لقد قدم أرضَك امرأةٌ لا ينبغي لها أن تكون إلا لك، فأرسل إليها، فأُتي بها وسألها: هل انتي زوجته، فالت انا اخته، فلم يكلمها جبار، وأهدى الملك إياها هاجر ثم خرجوا من هذه البلد.

ثم مضى إبراهيم إلى فلسطين، وفي طريقه وعند وصلوهم قرية سدوم على سواحل البحر الميت، أمر إبراهيم لوطاً أن يسكن تلك القرية، ويدعو أهلها إلى عبادة الله، بينما واصل إبراهيم الخليل طريقه مع زوجته سارة وهاجر، إلى أرض فلسطين.

ولما رأى إبراهيم وادياً جميلاً تحيطه الراوبي والتلال فألقى رحله هناك، وعاش فيها وهي تدعى اليوم بمدينة الخليل، حيث ضرب إبراهيم خيامه في ذلك الوادي الفسيح وترك ماشيته ترعى بسلام.

وتمر الأيام والأعوام، ووهب الله إبراهيم ابنه إسماعيل، وكان طفلاً محبوباً ملأ قلب أبيه فرحاً ومسرَّة، وكان يحبه كثيرا ويذهب إليه يقضي بعض أوقاته في خيمة أمه هاجر.

وكانت السيدة سارة المرأة الصالحة تحبّ إبراهيم، وتحبّ أن يفرح زوجها، ولكنها بدأت تغار من هاجر التي رزقت طفلاً، فقد كانت محرومة من الأبناء، فطلبت من إبراهيم أن يقوم بإبعاد هاجر، لأنها لا تريد رؤيتها، لئلا تحزن وتغار.

فقام إبراهيم الخليل، بأخذ هاجر وابنهما إسماعيل إلى أرض بعيدة بعد رؤيا من الله تعالى، وامتثل إبراهيم لأمر الله فشد الرحال إلى مكة المكرمة التي لم يذهب إليها من قبل، وسار مع زوجته هاجر وابنه أياما طوال.

وبعد أن وصلوا أرضاً جرداء ليس فيه سوى الرمال، أخبر إبراهيم بأنه قد وصل الأرض المقدسة، فنزل إبراهيم في ذلك الوادي وأمر زوجته وابنه بأن يقيما هنا، وقبل ابنه وابتعد عن هاجر.

فنظرت حولها لم تر شيئاً سوى الرمال وصخور الجبال الصماء، فأسرعت نحو زوجها وقالت له: أتتركنا هنا في هذا الوادي بأمر من الله، أم من نفسك، فقال بأمر من الله، فقالت: فإن الله لن يضيعنا.

فرشت هاجر لابنها ليجلس، وقامت تصنع لها ولطفلها خيمة صغيرة، وبعد ان انتهت راحت تنظر حولها، ولكن لا شيء، فبكى إسماعيل من العطش، وبينما هي تركض بين الجبال تتفقد ما تجده لابنها، فجأة تفجَّر نبع ماء عند قدميه.

قبيلة جرهم

رأت الطيور الماء فراحت تدور حوله، وكان السكان في تلك الصحاري يعيشون حياة الرحّل فلما رأو الطيور قالوا إن هناك ماء، وذهبوا إليهم وكانت تلك قبيلة بنو جرهم، فاستاذنوها أن يعيشوا معها وأن ياخذوا من الماء، فقبلت.

وعاشت السيدة هاجر وابنها اسمماعيل مع هذه القبيلة، حتى تعلم إسماعيل اللغة العربية من القبيلة، فزوجوه إحدى بناتهم، وماتت والدته هاجر، فجاء إبراهيم لزيارة ابنه فلم يجده، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فشكت إليه، فقال لها: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ.

فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد، قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء، قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك». قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها.

وتزوج منهم أخرى وهي رعلة، فزارهم إبراهيم مرة أخرى، فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ، فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء قال: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ.

ثم قال لها النبي إبراهيم: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك.

اقرأ أيضًا..

بلقيس بنت الهدهاد.. الملكة العربية التي تربت بين قبائل الجن وأحبها النبي سليمان