نيهال كُريّم تكتب: نبتدي منين الحكاية!!!
أم البنات ( طنط فوقية ) ...
في أواخر السبعينات أو أوائل الثمانيات لا أذكر
بالتحديد
كانت في فصل من فصول الحياة تجربة عشتها وانا
في عمر الثامنه تقريبا
كل يوم توقظنى امى في الصباح الباكر وتتردى
ملابسها للذهاب للعمل
كان عندها عده باروكات لكن اجملهم عليها
كانت الكاريه الصفراء
تجلسنى وتلبسنى ملابسى برفق وتقبلنى بعينها
مره وبشفتيها تاره اخرى
كانت قد كونت كعادتها علاقة رائعة بمديرتها
الارملة طنط فوقية
فاتفق معها ان تصطحبنى معها لاجلس كل يوم في
الصباح مع بناتها
الصبيات الجميلات التى يتراوح عمرهم من ال
18 و16 و14
ونزولا الى ماجى ذات الخمسة اعوام تقريبا ...
كان ذلك البيت لطيفا جدا كله نعومه وانوثة وحنان
اليتيمات الخمسة منى ومها وماجدة وربما منال
واصغرهم ماجى
وبرفقتهم جدتهم العجوزه العمياء
لم يكن ذلك الا شارع كان يجب ان امر فيه من
شوارع وطرق حياتى ...
اطلع السلالم وتستقبلنى احدى البنات الكبار واخرج
في الفرنده لاشير لامى
كانت هناك غرفتين للبنات وغرفه للام وغرفه
للجده
تسيتقيظ ماجى وتلعب معى ويعدون الافطار لى ولها
...
نلعب باللعب وتجلس منى معى وتفرد لى شعرى وتعمل
لى فيه تسريحات وضفائر
ومها تضع لى المكياج انا وماجى ...
ايام كثيره اشعر فيها بالالفه والمحبه والامان
...
كنت فقط اخاف من الجده التى تقوم وتسند على
الحيطان لتدخل المطبخ او الحمام
لم يكن بينى وبينها شىء سوى اننى اراقبها من
بعيد واتابع خطاها في ترقب وصمت
ونتغدا ايضا معا
كل الايام ما عدى يوم الجمعة لا اذهب مع امى
لهم
كانت غرفه والدتهم بطراز قديم لكن مرتبه وبارده
بوحشة الوحده ...
اذكر حكايات امى لابى عن طنط فوقيه
انها ترملت من عده سنوات وهى في اواخر
الثلاثينات
وانها امراة محترمه ومسؤله ورحيمة ومديرة
لها شخصيه وناجحه
وانها فضلت ان تراعى امها وتجلسها معها هى والبنات
هى ايضا كانت دائما ترتدى باروكه واحده
سوداء ونضارة كبيره وزجاجها ثميك
وانا اذهب واعود عندهم مع امى
اعتقد انهم لمره او اثنين اتوا معنا للنادى
وفى يوم سبت وجدت امى تبكى بحرقة وتتكلم مع
ابى بالهمس
وكان يجب عليها ان تذهب للعمل في ثانى يوم
فجلست امامى وامسكت بدى بين يديها وقالت لى
احنا مش هنروح هناك عند طنط فوقيه تانى ...
لحظات صمت ثم كلمات غير مرتبه وغير منطقية ومرتعشه
اصلها خدت بناتها وسافوا حته بعيده ومش
راجعين تانى !!!
لم اسال او استفسر كنت تقريبا احاول ان اهرب
من الاجابات
سمعت طرطشه كلمات مع ابى ورايتها في مرات
كثيره تبكى دون كلام
انهم في عطله الاسبوع قرروا ان يستاجروا
سيارة لرحلة لبورسعيد
وللاسف ربما غفى السائق وخرج عن الطريق وسقط
في القناة
وكتب هذا الخبر في الجرئد انها حين سقط فتح
الباب وخرج
وصعد للشط بدونهم نجى بنفسه فقط ...
وترك الام والبنات يغوصون ويغرقون في الماء
لا اذكر اننى بكيت ولو دمعة واحده بعد ان
سمعت ما لم تحكيه لى امى
لكننى خرجت منه بعده معانى كنت لاول مره
اعرفها واشعرها عن قرب
الترمل اليتم العمى وصعوبته وظلامه حنان وانوثة
الصبايا
رتابه بيت المراة وهى ام بدون رجل مسؤله عن
خمسة بنات
الرحمة والمسؤلية الجدية
العطاء في جوف جفاء الحياة والحرمان للانثى
الاحلام البسيطه بالسفر التى انتهت قبل
تبداء بالغرق والموت
قصة مازالت حتى تلك اللحظة توجع قلبى
بالفقد والخوف والقلق والتعجب
زخم من المشاعر يبدوا اننى ابدا لم اتجاوزها
ربما سببت لى عقده وخوف كبير من السفر
لبورسعيد بالذات
سافرت بعدها في ذلك الطريق عده مرات مع ابى وامى
في مصيف مره وفى مشتى مرات
لكن كل ما اذكره اننى ابدا لم اغفوا لحظة في
اى مره اثناء
الذهاب او العوده من هناك
رغم اننى دائما ما انام باريحيه وعمق في اى
طريق سفر
بالسياره بالقطار والاتوبيس وحتى الطيارة
الا طريق بورسعيد لم اعرف ابدا عليه معنى
رمشه العين
في حين انه الكل يظن ان الاشياء قد مرت وانتهت
منك ببساطه
وانك تجاوزتها ونسيتها تكتشف انت بنفسك انها
ابدا لم تمر او تنتهى
بل هى اصبحت جزء يصيب منطقة الخوف من
المجهول والفقد والموت
حدائق القلب ليسة كلها ورد وشجر مزهر
كثيرا ما يكون فيها اشجار صبار مليئة بالشوك
الذى يجرح اعماق صاحبه
وحتى ان حاول يزرع بذور جديدة في حياتة ابدا
لا ينسى وردود الياسمين التى كانت تترعرع في
وجدانه
ثم تخلع من جذورها بقسوة من قلبه وهو صغير
ولكن تعلمت انه في كل مره بعد تجربة الم وفقد
وانكسار
يوقفنى الله اكثر قوة وحكمة ونضجا
واصبحت اخيرا بعد كل هذه الاعوام ارى القصة
بشكل اخر
وانها كانها بطه نزلت البحيرة واخذت معها
بناتها
ليخرجوا من بر الدنيا وقسوتها عليهم
ليبحروا لشاطىء اكثر جمالا في الجنة في دفء وحمياة
ورحمة الرحمن
وان الغرق هنا كان شهقة نفس جديدة في البر
الاخر الاكثر جمالا وسلاما
وان الله سيعوض القلوب بطريقته لانه ابدا لا
يخذل الانقياء
شكرا لامى التى اخفت عنى القصة واخفت دموعها
وشكرا لانها عرفتنى على طنط فوقية والخمس
بنات وجدتهم
ولنا في الاقدار اشياء جميلة رغم المها لا
نعرفها
عمرنا مش بالسنين والساعات ...
عمرنا بالتجارب الحلوه والمره والدموع والضحكات
وشوية حاجات ...
والى لقاء مع بطله جديدة ممن عاشوا في حياتي
...