راندا الهادي تكتب: "انتش واجري"!!
عندما قال (جوزيف جوبلز) وزيرُ الدعايا في
عهد (أدولف هتلر) : "أَعْطِني إعلامًا بلا ضمير، أُعطِكَ شعبًا بلا
وعي"، كان يؤسس لقاعدة راسخة في العلاقة بين المجتمعات ووسائل الاتصال،
فكلاهما انعكاس للآخر، ووجهان لعملة واحدة، فعندما يتصدر المشهدَ في وسائل الإعلام
العلماءُ وأصحابُ الفكر والقلم، حتما تدرك أن هذا المجتمعَ راقٍ ومثقف، وقويُّ
البنيان ، أما إذا كان للتفاهة والإسفاف نصيبُ الأسد من اهتمام الإعلام، فمرحبا
بمجتمعٍ متهالك مهددِ القيم على شفا الانهيار.
ليس بجديد طرحُ هذا الموضوع للحديث، ألا وهو
مسئوليةُ الإعلاميين وأربابِ الفنون في تشكيل فكر ووجدان شعوبهم، بل لعله دخلَ في
دائرة الملل والتكرار، ولكنَّ عُذرَنا هنا يرجع إلى الصدمة التي تلقيناها عندما
احتل ڤيديو في غاية التفاهة والإسفاف ( اِنتش واجري ) ومن قام به، هذه المساحة من
برامج ( التوك شو ) واهتمام أشهر الفنانين لتقليده، فضلا عن لُهاث المواقع
الإخبارية وراء حياة صاحبه، ونشر التصريحات على لسانه، مع إفساح المجال لتعريف
الناس بأمنياته ومخططاته القادمة، وهنا تذكرتُ تصريحًا للفنان ( أمير طعيمة )
عندما قال: ( إن التيك توك رجّع الحضارة الإنسانية 100 سنة لورا ، الناس بقت
مستعدة تعمل أي حاجة عشان تتشاف ).
في كلية الإعلام التي شرُفتُ بتلقي العلم
على يد أساتذتها الكبار تعلمنا نظريةً شهيرة عن تأثير وسائل الإعلام على الجمهور،
ألا وهي (نظرية الرصاصة) التي وضعها عالِمُ الاجتماع الأمريكي (هارولد لاسويل)،
وتقوم على إمكانية غرس فكرة معينة في شعب من المتلقين الإيجابيين والعفويين في
غالبيتهم، من خلال الإعلام المكثف حولها، بشكلٍ يُشبه إطلاق رصاصاتٍ (سحرية) من
وسيلة الإعلام إلى المتلقين، فتكون فاعلةً إلى درجة أنه يبدأ الإيمان القوي بها.
إذن عندما أشاهد التلفزيون أو أستمع لبرنامج
صباحي عن أشهر (الترندات)، أو أتابع مواقعَ التواصل الاجتماعي، وأجد هذا الاهتمام
بـ (تـرِنـد) ( اِنتش واجري )، ألا يدق هذا جرسَ أنذار، محذرا من التردي الذي
وصلنا له، والمستقبل الذي ينتظرنا، أو تعالَ معي _ عزيزي القارئ _ نقوم بتجربة
واقعية، وقُم بسؤال أي أحد تعرفه عن السيدة التي فازت بجائزة نوبل للآداب هذا
العام، ومَن هو صاحب (ترند) (اِنتش واجري)؟ هل تتوقع على أي سؤال سيجيب؟!! طبعا
جميعنا يعرف.
لقد توارث الإنسانُ الفنون ولم يخلُ
عصرٌ منها، وكان لأصحاب الفنون في أغلب الأوقات المكانةُ العالية وسط الجمهور،
وأخذت الفنون _ جنبا إلى جنب _ مع الإعلام كل هذا الاهتمام بسبب دورها في تغيير
سلوك الفرد بالسلب أو الإيجاب على حسب (أيديولوجيات) أصحابها وقوة تأثيرهم، لذا
يجب إدراك حساسية وخطورة هذا الدور؛ فقد وصلنا إلى ما تحت القاع يا سادة!!
وفي الأخير
إن لم يكن الوعاء ممتلئا بالوعي الواقعي الحقيقي لاحتياجات المجتمع الذي نعيش فيه، ستحل مكانَه مياهٌ
نجهل مصدرَها، تُغرقنا جميعا بلا هوادة، وكلنا هنا لنا دور، بدءًا منك بألا
تقف عند هذه المحتويات الركيكة، حتى ولو من باب الفضول، خاصة أهلَ الفن والرأي
أصحاب التأثير الجماهيري على مواقع التواصل. اِعلمْ أنك محاسب ومسؤول أمام ربك قبل
الناس عما تقول وتفعل، لأنك وفقا لمعطيات زماننا من صانعي وعي الأجيال القادمة،
أما الدولة فنطالبها بتسليط الضوء على النماذج المشرفة التي لا تخلو منها
مجتمعاتنا، فالخير فينا إلى يوم الدين.
وعلى سبيل نشر الوعي: الفائزة بجائزة نوبل
للآداب هذا العام الكاتبة الفرنسية (آني إيرنو)، وفعل الأمر من (جَرَى): اِجْرِ
(بدون ياء).