حازم البهواشي يكتب: المديرون في بر مصر!!
منذ فترةٍ ليست بالقليلة، كنت في زيارةِ
الصديق العزيز الدكتور/ "سعيد بيومي" بمكتبه بمجلس الدولة، واقترح عليَّ
أن نتشارك في تأليف كتاب عن (المديرين في برّ مصر)!!!
فهل حان الوقتُ للشروع في هذا العمل؟! هو
عملٌ سيُدَوِّن حكاياتِ المساندة والتلكيك، وحب التسلط، والخلط بين الصداقة
والزمالة والعمل، وتطفيش الكوادر، والعُقَد حين تظهر، والسبوبة، ومعاملة المرؤوسين
وكأنهم يعملون في (وِسِيَّة)، والدمعة الشقية، والتمثيل، والمحبة التي تأتي بعد
عداوة بسبب تصالح المصالح، وتدخل الكبار، واعتماد أسلوب ( تزهيق ) المرؤوس ليترك
بنفسه العمل، والكيل بأكثر من مكيال حسب حُب أو كُره أو قُرب أو بُعد المرؤوس،
وفَرِّق تسُد، والعصفورة التي تنقل الأخبار أو تُسجل الاجتماعات، ولَوْم المرؤوس
إذا تكلم بما لا يروق للمدير، وعدم الخجل من طلب ما يُمَثِّلُ نقيصة، وعدم التفريق
بين الإهانة والتوجيه والنصح والتوبيخ، والمحسوبية والشللية، وضرب عُرض الحائط
برغبات المرؤوسين، والهوى حين يحكُم ويتحكم، والنرجسية وحب الذات التي تصل إلى
عُقدة الأنا المزمنة، ومحاولة التقليل من ذكاء الآخرين، وتفسير سكوتهم على أن ما
يُقالُ من خداع قد انطلى عليهم، وغيرها من الأشياء والحكايات !!
ولأن الظنَّ ليس كُلُّه إثمًا، فظنُّنَا أن
كثيرين يتمتعون بهذه الصفات التي ( تُكَرِّهُ ) الناسَ في العمل، وتدفعهم
للاستقالة في أقرب وقتٍ ممكن !!
كما يتمتع كثيرٌ من الموظفين بحُب التملُّق،
ويعشقون النفاق بل ويُبدعون فيه، حتى أن المدير حين يمرض يسارع الجميع لتمني
الشفاء له ليس من باب المحبة بل من باب ( اتقاء الغضب ) أو ما نسميه ( المَحْلَسَة
)!! وفي بعض المعاجم العربية نطالع ( تَمَحْلَسَ للمدير: تقرَّبَ إليه، تظاهرَ
بالتودُّد إليه )!! عزيزي المرؤوس: أرجوك، لا تساعد في فساد المدير !! راجِعْ إنْ
شِئتَ رائعة وحيد حامد وسمير سيف وأحمد زكي وهشام عبد الحميد ( معالي الوزير ).
علمني أستاذي ( حمدي زيان ) _ رحمه الله _
أن مِن أهم صفات المدير الناجح طهارةَ اليد وطهارةَ اللسان، ليست محبةُ الجميع
شرطًا في نجاح المدير، فإذا أحبك كلُّ المرؤوسين كل الوقت، فلستَ بالمدير الناجح،
وإذا كرِهَك كلُّ المرؤوسين كلَّ الوقت، فلستَ أيضًا بالمدير الناجح !! ورحِمَ
الله القائل _ وأظنه العقاد _: ( إذا أحـبَّـكَ الـقـومُ مـخـدوعـيـن فـلا تـفـرح،
وإذا كَـرِهَـك الـقـومُ مـخـدوعـيـن فـلا تـحـزن؛ بـعـضُ الـكـراهـاتِ خـيـرٌ لـك
مـن بـعـض الـمـحـبـاتِ )!!
المدير الناجح لا يساهم في تصدير التوتر
للمرؤوسين، لا يجعلهم يَحملون هَمَّ رؤيتِه ومقابلته، لا يتدخل في كل التفاصيل، لا
بد أن يتغافل أحيانًا، لا بد أن يُجيدَ التواصل، لا يخشى المرؤوسُ معه مِن
السخرية، يَعرفُ المدحَ كما يَعرِفُ النقد البناء، لا يُحبِط مرؤوسيه، يسأل نفسه:
لماذا هو في هذا المكان؟ وما المطلوب منه؟ وبالتأكيد ليس من بين مهامه التكدير!!
يعلم أن النجاح عملٌ جماعي، فلا يَنسِبُ الفضلَ لنفسِه فقط.
المرونة والسعي نحو العدل يُزينان صفاتِ
المدير الناجح، فكما يقول البعض: الموظفون يستقيلون من مديريهم وليس من وظائفهم !!
فكِّرْ معي عزيزي القارئ في أسوأ مدير
عرفتَه في حياتك، واكتب صفاته التي كرِهْتَها فيه، حتى إذا صِرتَ مديرًا، (هذا إن
كانت لديك الصفاتُ التي يريدها من يختار المدير _ وربما لا تكون الصفاتُ التي
ذكرناها منها)!!! أقول: حتى إذا صرتَ مديرًا تجنبتَها، فدائمًا ( اللي ع البَرّ
… عوّام )، وفكِّرْ كذلك في أفضل مدير مرَّ بك، واكتبْ أهم ما أحببتَه فيه، لتبنيَ
عليه، وتُعلمَه غيرَك، فإن المرءَ لا ينسى مَن اهتم بنجاحه، مَن سأل عنه في ظرفٍ
إنساني صعب.
يقول "نجيب محفوظ" ( 11 من ديسمبر
1911م - 30 من أغسطس 2006م ): ( أظفرُ الحُكَّام بقلوب المحكومين، هو أعظمُهم
احترامًا لإنسانيتهم، وليس بالخبز وحدَه يحيا الإنسان )، فلا تُهدِّدْ مرؤوسَك
بقطع ( لقمة عيشه ) !!
عزيزي القارئ هل تصلح مديرًا؟! أرجوك لا
تُجب، ولكن فكرْ دومًا في أحسن وأسوأ الصفات فيمن أداروا، حتى إذا جاءتك الفرصة _
بغير المَحْلَسَة _ كنتَ مستعدًا.
عزيزي المدير: سيرة الإنسان أطول من عمره،
فاكتب في سيرتك ما تود أن يبقى!!