«الأم» كلمة السر في نشر المذهب «الشافعي».. ما القصة؟
الأم العظيمة هي التي تلد وتربي شخصية عظيمة، وتكون هي
كلمة السر ومفتاح هذه الشخصية، ليكون نبراسا وعلما وسراجا ينير للأمة دروبها
المظلمة، فهي بهذا استحقت أن تكون أما عظيمة.
وإذا ما تحدثنا عن عظمة الأمهات العربيات، فلن نحصيهن
عددا، ولن نوفيهن حقهن، وإذا ما ذكرنا الأمهات العظيمات، فلا يمكن أن ننسى أم
الإمام الشافعي، التي كانت كلمة السر وراء مذهب الشافعية الذي انتشر بالعالم وأصبح
ثالث مذاهب الفقه الإسلامي.
مدرسة الإمام الشافعي
الشافعي هو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ثالث الأئمة
الأربعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً
إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعرف بالعدل والذكاء.
كما عرف الشافعي فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحالاً
مسافراً، وعرف بين الفقهاء والعلماء، بأنه كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس.
حتى أن بعض المؤرخين قالوا عنه: إنه هو إمام قريش الذي ذكره
النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: «عالم قريش يملأ الأرض علماً».
وولد الشافعيُّ بغزة عام 150 هـ، وانتقلت به أمُّه إلى
مكة وعمره سنتان، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين،
ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة.
هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلباً للعلم عند الإمام
مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد فطلب العلم فيها، ودرس
المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق.
ولما عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريباً،
وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، وقام بتأليف كتاب
الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر وأخذ ينشر مذهبه الجديد،
ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204 هـ.
كلمة السر
كانت أم الإمام الشافعي "فاطمة الأزدية" هي
كلمة السر وهي السبب الخفيَّ وراء شخصية الشافعي وبراعته؛ فقد سخرت حياتها لابنها،
وفضلت أن تظل أرملة بلا زوج يعولها، على أن تصب كل جهدها في تعليم ابنها، فجاءتنا بعَلَم
من أعلام الإسلام، وسراج منير في سماء العلماء والبلغاء.
كانت البداية عندما رأت والدته في المنام أنها تلد كوكباً
وهو لازال في بطنها، وظل هذا الكوكب يجوب في السماء، حتى ينقض في مصر، فتتفرق شظاياه
في كل البلاد، فبشرها المعبرون بميلاد عالم، يخص علمه أهل مصر، ثم يعم بقاع الأرض.
وبعد وفاة والده وهو في سن الثانية، حملته إلى مكة، رجاءَ
أن لا يضيع نسبه الهاشمي، فأتت به أنسباءه، فلم يبلغ السابعة بين يديها، وهو ملازم
لكتاتيب مكة، حتى حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، ثم موطأ الإمام مالك وهو ابن
عشر.
وكانت أمه رغم فقر حالهما، إلا أنها كانت تذهب به إلى
الكتاب، ولغ من فقر حاله في ذلك الوقت، أنه
كان يأخذ الأوراق التي فرغ منها أقرانه، فيكتب على ظهورها، كما كان يكتب على العظام.
فقر شديد
ولما قدم والي اليمن لمكة، تحدث معه بعض الناس بأن يصحبه
معه، فلم يكن عند أمه ما يستعد به للسفر من الرَّكوب والزّاد، فرهنت دارها بستة عشر
ديناراً، فاستعد بهم للسفر.
ولما وصل اليمن جالس
علماءها ولزم دروسهم، فلم يزل على ذلك حتى فاق علمه أقرانه وشيوخه، فعاد إلى مكة وتابعَ
طلب العلم فيها على من كان من الفقهاء والمحدثين، فبلغ مبلغاً عظيماً، حتى أذن له مسلم
بن خالد الزنجي مفتي مكة بالفتوى.
وفاتها
وواصل الإمام
الشافعي جولاته، ووالدته تشجعه وتبذل الغالي والنفيس في سبيل أن يكون أبنها فقيها
ومحدثا، ولكنها توفيت قبيل سفره إلى بغداد، ليكمل الشافعي حياته بعد ذلك وهو يحمل لأمه
الكثير والكثير من الذكريات، خاصة بعد محنته هناك عندما اتهم بأنه علوي.
سفره إلى مصر
في العام 199 هـ، قدم إلى مصر، وفيها أعاد الشافعي تصنيف كتاب
الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه،
ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي بها سنة 204 هـ.