سارة السهيل تكتب: قصور التشريعات القانونية في حماية المرأة العربية من العنف
رغم التطور الإنساني لحضارة العقد الثالث من الألفية
الثالثة، وما شهده العالم من حريات في الفكر والاعتقاد والعمل وإرساء الحقوق، إلا أننا
لا نزال نرى انتهاكات صارخة في حقوق المرأة العربية وسلامتها النفسية والجسدية
والاقتصادية ومرجع ذلك كله إلى ثقافة موروثة تعتبر تأديب الرجل زوجته بالضرب
أو التسفيه أو التحقير شأناً أسريا لا يحق للمجتمع التدخل فيه. وما زال من يرى أن
الرجل بصفته أبًا أو أخًا او زوجًا وصيًّا على أحلام المرأة ابنة أو زوجة أو أختًا،
ومن ثم يحق له منعها من مواصلة التعليم أو العمل أو الحصول على ميراثها، في
مخالفة صريحة للشرائع السماوية ذاتها.
وها هو مجتمعنا الإنساني المعاصر الذي يتشدق بحقوق الإنسان
لا يزال قاصرًا عن حماية النساء من التحرش والاغتصاب في الحروب أو في العمل أو حتى
في الشارع. من تجرؤ منهن على كشف وفضح المتحرشين والمغتصبين لجسدها أو حقوقوها
المالية أو الشرعية، تصبح مرمى لنيران تشويه السمعة أو الحبس في المنزل باعتبار
ذلك عارًا اجتماعيًّا يشوه صورة العائلة.
لا شك أن استمرار العنف ضد المرأة في العالم العربي
كسرطان منتشر، بات يشتد مخاطره على المرأة وتطور هذا الخطر وصولًا إلى إزهاق روحها
وحرمانها من حق الحياة في لحظة على مسمع ومرأى من المجتمع الذي وقف مذهولًا أمام
جرائم قتل كجريمة قتل الطالبة الجامعية برصاصات عدة داخل الحرم الجامعي في المملكة
الأردنية، وقبلها مقتل الفتاة نيرة أشرف على يد زميلها محمد عادل بجامعة المنصورة،
وبعدها مباشرة مقتل الطالبة المتفوقة سلمى بهجت على يد زميلها إسلام محمد.
والجريمتان وقعتا بسبب رفض الفتاتين الارتباط بالشابين.
وجرائم القتل هذه شرعًا من أعظم الذنوب التي نهى عنها
الشرع الحكيم، ومع ذلك باتت تتم بدم بارد؛ لأننا ببساطة لم نوقف العنف ضد المرأة
منذ أن كانت طفلة يتم التمييز بينها وبين شقيقها لأنه ذكر فتعطى له الامتيازات
ويعطى للطفلة القليل، والتمييز بينها وبين زميلها في العمل فلا تترقى إلا بواسطة أو
تحرش، ومنذ أن منع أصحاب النفوس الأمارة بالسوء لعقود طويلة حق المرأة في الحصول
على ميراثها الشرعي وفقًا لأعراف أن هذه الثروة ستذهب إلى زوجها والإخوة أحق
بالثروة من الزوج.
يعني ببساطة أننا نرمي بالشريعة والحقوق المدنية والإنسانية
جانبًا؛ لتحقيق مصالح شخصية رخيصة في النهاية أدت بنا إلى إزهاق الأرواح البريئة.
فالجرائم البشعة التي وقعت أمام الحرم الجامعي في مصر أو
الأردن وغيرهما تعكس غياب العدل داخل المنظومة الأسرية، وقصور التربية القائمة على
العدل والمساواة بين أفراد الأسرة؛ مما أعطى للقتلة مسوغًا بالتميز على المرأة، وكأنها
ملك خاص به يتصرف فيها كما يتصرف في حيازته لقطعة أرض أو ماشية أو سيارة، يخربها
يدمرها يفعل بها ما يشاء كيف يشاء، ولا عزاء للدين والأخلاق والإنسانية والقوانين.
يجري انتهاك سلامة المرأة وحقها في الأمن والعمل والزواج
بمن تريد، رغم أن المفهوم الثقافي العربي في جذوره الأصيلة تقوم على حماية الضعيف
وإنصافه وحماية المرأة من أي مخاطر، لكننا مع تقدم الزمن صار العكس هو القائم على
انتهاك لحرمة المرأة طفلة وصبية وطالبة وزوجة وأما وربما عجوزًا في بعض الأحيان
عندما يتطاول الشاب على أمه ويسعى لسلب مالها.
رمي بلاء
لم يقتصر المجتمع في جعل المرأة العربية ضحية للعنف في
مظاهره المختلفة، بل إنه تمادى في تحميل الضحية مسئولية ما يقع عليها من جرائم عنف،
فإذا تعرضت للاغتصاب فالمجتمع يحملها المسئولية لأنها عجزت عن الدفاع عن نفسها، بل
قد تتعرض للقتل بتهمة الشرف بهتانًا، وإذا رفضت ضرب الزوج لها وإهانته تتهم بالفشل
وعدم القدرة على تحمل المسئولية الأسرية، وإذا قاضت أشقاءها طلبًا بحقها في
الميراث تتهم بالفصام الأسري، وإذا رفضت الزواج المبكر تصبح متمردة على الأسرة
وناقصة أدب وأخلاق، وإذا نادت بالمساواة في الترقي بالعمل يكال لها بمكيالين وتصبح
نهبًا للصراعات والهجوم والانتقاص من جهودها العملية.
إن مجتمعنا العربي للأسف الشديد، في الكثير من
جوانبه يطلب من المرأة الصمت وعدم المطالبة بالحقوق والقبول بكل ما يفرضه المجتمع
عليها حتى تأمن شر أفراد من القتل المادي والمعنوي والاقتصادي. والعجيب أن هذا
المجتمع الذي يدعي أنه يحمي المرأة ويحافظ عليها، هو نفسه الذي يعجز عن حمايتها من
الاغتصاب وقت الحروب والأزمات بل إنه وهو في عنفوانه عجز عن حماية الطالبات داخل
الحرم الجامعي نفسه!
وفي كل عام تتسابق المؤسسات العربية والدولية لوضع
خطط وتشريعات لحماية المرأة من العنف، ولكن كل هذه الجهود لم تثمر بعد
الثمار المرجوة في حماية المرأة خاصة العربية من العنف المجتمعي.
ورغم أيضًا الجهود التي بذلت من أجل مساواة المرأة في
العمل ومنحها الحق في تولي المناصب العليا وهو ما جرى في معظم دولنا العربية، إلا
أن ذلك كله لم يمنع جرائم العنف بحق المرأة؛ لأن المسألة ببساطة مرتبطة بضرورة
تغيير العادات والتقاليد التي تبرز تفوق الرجل وتمييزه على المرأة، ثم
التربية والنشء على مساواة الذكر بالأنثى في الحقوق والواجبات الاجتماعية
والقانونية.
لا شك أننا في أشد الحاجة إلى تغيير المفاهيم الثقافية
التي تنظر للمرأة على أنها مواطن من الدرجة الثانية قبل أن نتوجه إلى سن تشريعات
قانونية لحمايتها من العنف. فالثقافة التي ترمي بذورها في أرض المجتمع لتغرس المرأة
شريكًا فاعلًا إلى جنب الرجل وأن كليهما يكمل الآخر، لجديرة بالقضاء على وصمة عار
التمييز والعنف بحق المرأة وإزهاق روحها ماديًّا أو معنويًّا.