الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

مريم العذراء.. في سيرة عظيمات عبر الزمن

الجمعة 08/يناير/2021 - 11:39 ص


ولدت السيدة مريم العذراء منذ ألفي وعشرين عامًا، المسيح عليه السلام؛ لتكون أول وآخر النساء التي تلد دون تدخل رجل.
 
كرمت السيدة مريم في الإنجيل والقرآن، ولا يختلف على طهارتها وحبها مسلم أو مسيحي، ولها في قلوب المصريين جميعًا حب وتعلق لا مثيل له، وهنا تسرد الكاتبة إشراق شلبي لـ"هير نيوز" سيرتها من كتابها "عظيمات عبر الزمن". 

مجتمع مريم

تقول إشراق عن طبيعة المجتمع الذي ولدت فيه مريم، كان مجتمع سادته المادية وطغى عليه ظلم الكهنة وطيغانهم، ونسى بنو إسرائيل دينهم الحقيقي، وانحرف الناس عن تعاليم السماء الممثلة في التوراة وكثر المدعون الكاذبون وسادت الخرافات، وتحولت العبادة إلى طريقة يتبعها البعض للاستيلاء على أموال الناس، ونشأت طائفة في المسجد الأقصى كان يطلق عليها اسم "النذريين" أي الذين ينذرون أنفسهم لخدمة الهيكل، ويتم إعدادهم لعبادة الله ويقدمون لبيت الله فيقوموا بمهمة التبشير والتقديس لله.

أسرة مريم وميلادها 

تابعت إشراق في حديثها عن أسرة السيدة مريم، من هؤلاء الناس ومن الأسر المتعبدة لله نشأت أسرة "عمران بن ماثان" الذي ينتهي نسبه إلى يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، وكان قد تزوج من حنة بنت فاقوذ إحدى عابدات بني إسرائيل، وكان عمران هو إمام أحبار بيت المقدس. 

وكانت حنة لا تحمل وذات يوم تطلعت فوجدت طائرًا يزق ولده فحن قلبها وتحركت بداخلها مشاعر الأمومة حتى ملكت كيانها فدعت الله أن يرزقها بطفل، ونذرت أنها لو أنجبت ولدًا فسوف تجعله محررًا للعبادة وخدمة المسجد الأقصى ومتفرغًا للعبادة. 

واستجاب الله لدعاء حنة فحملت، وفي أثناء حملها مات زوجها عمران، ومرت الشهور وولدت مريم، بنتًا جميلة، بهية الطلعة، هادئة الوجه.

تساءلت حنة: "أني أنجبت بنتًا فكيف أفي بنذري وأنت ياربي تعلم أنها بنت! فليس الذكر كالأنثى في خدمة المعبد والعبادة، فالولد أقوى جسمانيًا، وكذلك البنت يمكن أن تخرج لفترة من خدمة المعبد في أوقات مختلفة، ولكنها كانت صادقة العزم فلم ترجع عن نيتها فناجت ربها بأنها سمتها "مريم"، وهذا الاسم يعني الخدمة والعبادة والتفرغ لها".

كما أعذتها "هي وذريتها" من الشيطان الرجيم، وفعلا استجاب لها ربها وتقبلها وقبل استعاذتها من الشيطان الرجيم.

فقيل إن كل بني آدم ما أن يولد حتى يمسه الشيطان فيصرخ إلا مريم وابنها فيما بعد. 

حمل مريم وولادتها 

وكان في المعبد فتى هو ابن خالها اسمه يوسف النجار، وكان قد نذره أبوه للعبادة ولبيت المقدس، وعرف عنه العفة والصدق وكان يعمل بيديه ويتصدق.

وذات يوم نفذ الماء لدى مريم فأخبرت يوسف بأنها سوف تذهب لإحضار الماء من مغارة بها عين الماء التي يستقون منها فتركها تذهب، وهناك تمثل لها جبريل في سورة بشرية مما أصاب مريم بالهلع وتملكها الخوف فاستعاذت بالله منه، وقالت: "إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا"، وهي تعني أنك لو تقي فلا تؤذني.

فهدأ جبريل من روعها وقال: "لا تخافي فأنا أرسلني إليك الله لأهب لك غلامًا زكيًا طاهرًا". فتملك مريم الهلع وسيطر عليها العجب، فكيف يكون لها غلام ولم يمسسها بشر، ولم تتزوج، لأنها وهبت نفسها للخدمة، وكذلك فهي لست من البغايا، فهي عرفت بطهارتها وعفتها.

ولكن جبريل قال إنها إرادة الله، وهذا أمر هين ويسير عليه فلا تتعجبين، فهو تعالى إذا أراد أمرًا أن يقول له كن فيكون، فمس جبريل طرفًا من كم مريم ونفخ فيه فحملت.

وانصاعت مريم واستسلمت لأمر الله وشعرت بعظم المحنة التي تنتظرها فهي تعلم أن القوم سيكذبونها وسيقولون عليها الأقاويل وسينعتونها بما هي بريئة منه، ورجعت مريم للمعبد ومرت الأيام وعلامات الحمل بادية عليها.

بدأ يوسف النجار يساوره الشك؛ ولكن لا يستطيع عقله استيعاب الأمر، فلا يتمكن أن يواري بين ما يراه بأم عينيه، وما يعرفه عن مريم من طهارة وعفة. 

ودار الحوار بين يوسف ومريم:

يوسف: يا مريم هل هناك زرع ينبت بغير بذرة؟
مريم: نعم، أنبته الذي أنشئ الزرع الأول بغير بذر.
يوسف: هل تنبت شجرة دون غيث؟
مريم: نعم الذي أنبت الشجر الأول بغير غيث.
عندها قال يوسف حقا أعلم أن الله على كل شيء قدير، وعلم أن هناك أمرا عظيما وكل إلى مريم، وقرر أن يكون عونًا وسندًا لها، ولما ذهبت مريم لبيت خالتها، زوجة زكريا أخبرتها خالتها بأنها حامل فردت مريم بأنها أيضا حامل، فاستقبلت الخبر بغير تعجب ولا شك في مريم فهي تعلم قدرة الله وعظمته.

وعاشت مريم فترة حملها مؤتنسة به، فقد كانت تتكلم معه إذا خلت به وإذا كانت مع الناس فإنه يسبح في بطنها.

وعلى الرغم من تصديق أهلها، وإيمانهم ويقينهم بها غير أن الجميع في البلدة ليسوا سواء، فإن أغلب الناس سيئو الظن ولا يصدقون معجزة خلقها الله فقد غرقوا في مادياتهم وعموا عن الحقائق.

أوحى اليها الله أن تغادر المكان لتبتعد عن عيون الناس وألسنتهم وفي الطريق شعرت مريم بآلام المخاض فجلست إلى جانب نخلة كانت يابسة ووضعت المسيح.