مختار منير يكتب: مشاهد التسول مازالت تُعكر شوارع مصر
في البداية عزيزي القارئ أنا أعلم تماماً أنك
مثل أي مواطن مصري رأيت الكثير من مشاهد التسول التي ربما تركت بعض الأثر بك.
فالتسوّل هو طلب المعونة كالمالِ والطّعام من
عامة النّاس واستعطافهم بعباراتٍ وأساليب متعددة، فهو من الوسائل التي تَجلب
للمتسولّين المال دونَ عناء بِمجرّد تكلمهم عباراتٍ مُعينة، وارتدائهم لِثياب
مُمزقة، فيمارسون التسوّل كمهنةٍ لهم، وتَعاطُف النّاس معهم، وتقديم المساعدة لهم
يرفع نسبة دخلهم مما يجعلهم يقبلون على التسوّل بشكلٍ كبير، وبالتالي تنتشر ظاهرة
التسوّل وتزداد يوماً بعد يوم.
وبرغم المحاولة المستمرة من قبل الدولة
بمحاصرة معدلات الفقر وانخفاض نسبته إلا إنه ومع الكثير من الأسف تري المتسولين في كل مكان ..
يلاحقونك بأساليب عدة تختلف من منطقة لأخرى .. بارعون في تجديد أفكارهم ويبتكرون
طرقا جديدة كل يوم، يصعب حصرها من أجل عطف المارة وتجاوبهم ومنهم أطفال وسيدات
ورجال، بل أسر كاملة ينزلون إلى الشارع والمهنة: متسول.
ربما
مررت عزيزي القارئ بتجربة مثلي وصادفت شخص متسول رأيت معه إنه قد يستحق الحسنة
والصدقة وربما وقعت في فخ مع آخر يسمي متسول أيضاً، ولكنه في الحقيقة ربما هو أغني
منك شخصياً!
بالفعل
البعض منهم قد يستحق الصدقة في ظل الظروف المعيشية الصعبة وأنا لا أتحدث هنا عن
هذه الفئة التي أتمنى ألا تندرج تحت طائفة التسول من الأساس وأن تخرج نفسها من هذه
الدائرة، أما البعض الآخر وهو أساس هذه الظاهرة ربما يستحق العقاب بتهمة النصب
اليومي على المواطنين!
بلدنا مصر كبيرة وعظيمة ولا تستحق منا هذه
الظاهرة التي أراها أنها كارثية بكل المقاييس والتي من المؤكد سوف تؤدي بنا إلى
نتاج جيل غير سوي اجتماعيا ونفسياً.
والتسوّل ظاهرة غير حضارية تنتشر في جميع
أنحاء العالم، ولها آثارٌ سلبيةٌ كثيرة وقد أصبحت هذه الظاهرة تتزايد حجمها وأصبحنا نعاني الكثير من أثارها حيث
ترصد الإحصائيات الرسمية تزايد حجم الظاهرة في مصر ولم تعد المواجهة الأمنية
والتشريعية كافية لمواجهة ظاهرة التسول.
وهناك الكثير من الدول التي
قامت بتجريم هذه الظاهرة ومنها دولة الإمارات حيث أصدرت القانون رقم 9 لسنة 2018
في شأن مكافحة التسول وأعطت الحق للنيابة العامة أن تحيل المتهم في جريمة التسول
إلى وزارة تنمية المجتمع أو الجهة المختصة للعمل على رعايته وتأهيله، ونصت بالمادة
الخامسة من القانون العقوبة المقررة في ذلك الشأن حيث يُعاقب مرتكب التسول المنفرد
بالحبس لمدة لا تزيد على 3 أشهر والغرامة التي لا تقل عن 5 آلاف درهم.
وكذلك دولة المغرب فأصدرت
القانون رقم 5 لسنة 2007 بشأن مكافحة
التسول والتشرد والذي جاء بعقاب مرتكبي هذه الجريمة.
أما مصر عزيزي القارئ فكان لها السبق في تجريم وتحريم
التسول حيث أصدر الملك فؤاد الأول القانون رقم 49 لسنة 1933 الخاص بتحريم التسول والذي
بالمناسبة مازال ساري حتى الآن أي منذ حوالي 90 عاما ومصر تجرم التسول وهذا إن دل فإنه يدل علي وجود ظاهرة التسول منذ قديم
الأزل ورغم أن المادة الأولي من هذا القانون تؤدى إلى الحبس مدة لا تجاوز شهرين كل
شخص صحيح البنية عمره خمس عشرة سنة أو أكثر وجد متسولًا في الطريق العام أو أمام
المحال العمومية، وكذا جاء بالمادة الثانية معاقباً كل شخص غير صحيح البنية أيضاً،
وجاء بالمادة الرابعة بالعقاب مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر كل شخص يدخل بدون إذن في
منزل أو محل ملحق به بغرض التسول، وكذا
بالمادة السادسة من ذات القانون
قد أكدت على العقاب بالحبس مدة لا تجاوز الثلاث أشهر كل من استخدم صغيرًا في أغراض
التسول.
وعلى الرغم من أن مصر لها
السبق في تحريم التسول وتجريمه إلا أن الإجراءات العقابية لم تساهم ولم تكن رادعة
في القضاء على التسول والحد من انتشاره.
وحقيقة أري أن هناك إجراءات
حقيقية الآن لمجابهة هذه الظاهرة على سبيل المثال تجد الآن تحت الكباري منظر حضاري
أكثر من رائع فكان قديماً تحت الكباري مكان لتجمع المتسولين أما الآن أصبح عبارة
عن مطاعم وكافيهات، أصبحنا نري في مترو الأنفاق نظام الصوت الآلي يحظر الركاب من
الباعة الجائلين والمتسولين من أجل توعية المواطن للحد من انتشار هذه الظاهرة، هذه
خطوات بسيطة، ولكن بلا شك فإن لها العديد من الآثار للحد من هذا الظاهرة.
أتمنى أن نرى بعض التعديل
التشريعي على هذا القانون للخروج بقانون رادع حقيقي يواجه هذه الظاهرة.
وأن الأسر المحتاجة التي
تعاني من الفقر تذهب إلى القنوات المشروعة التي تعلنها الدولة لتلقي الدعم الحقيقي
ونتمنى مزيد من الدعم من الدولة في هذا الشأن، ولكن لا يوجد أي مبرر لانضمامهم إلى
ما يسمى التسول.
ولعل الأمر في النهاية
يدعونا إلى أن نتكاتف جميعاً مع الدولة يداً بيد من أجل مواجهة حقيقية اجتماعية
وإنسانية من أجل أن تتخلص مصرنا من هذه الظاهرة السيئة وحتى يصل العطف والمساعدة
للفقراء والمحتاجين حقيقة الذين يستحقون العطف.
حفظ الله مصر من كل سوء.
اقرأ أيضًا..