الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

حكم قول «كل عام وأنتم بخير» وهل يعتبر تشبها بالكفار؟.. «الإفتاء» تُجيب

الجمعة 01/أبريل/2022 - 02:13 م
هير نيوز

مع بداية شهر رمضان المعظم، يتبادل الناس التهاني فيما بينهم احتفالا وفرحة بالشهر الكريم، ومن أشهر الجمل التي تقال للتهنئة مقولة "كل عام وأنتم بخير"، ولكن البعض يدعي أن تلك المقولة ليست مشروعة وأنها تحية الكفار، وأنها تسربت إلينا في غفلة منا كما يقولون، ولا يجوز إلا قول "تقبل الله طاعتكم"، فما حكم الشرع في قول "كل عام وأنتم بخير" للتهنئة في الأعياد والمواسم الدينية، ومن بينها شهر رمضان الكريم. 






حكم قول كل عام وأنتم بخير

 

وتعرض «هير نيوز» الإجابة، من خلال فتاوى دار الإفتاء المصرية، وفتوى الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي يقول:  يستحب للمسلم تهنئة أخيه في كل ما يصيبه من الخير، سواء أكان ذلك في الأعياد أم كان في المناسبات الخاصة، ويجوز له ذلك بكل لفظ يحمل معنى الأماني الطيبة والدعوات الصالحة مما اعتاد عليه الناس بينهم، ومن ذلك قولهم: "عيدكم مبارك"، أو "كل عام وأنتم بخير"، بل يستحب التهنئة بهما؛ لما فيهما من الدعاء بالخير، والتبشير به، وأما نفي جواز ذلك أو القول ببدعيته لمشابهته لقول الكفار: فهو كلام باطل؛ إذ المنهي عنه في مشابهة الكفار هو مشابهتهم في عقائدهم الكفرية أو عاداتهم التي ورد النهي عنها في شرعنا، أما ما لم يرد عنه نهي في شرعنا من عاداتهم أو أقوالهم الحسنة فلا يشمله النهي عن التشبه بهم، بل هو مما يندب فعله. 





 


كل عام وأنتم بخير في المواسم والأعياد


ويضيف مفتي الجمهورية: "كل عام وأنتم بخير": كلمة تقال في أيام الأعياد والمواسم، تعارف الناس أن يُهنِّئ بعضُهم بها بعضًا، وهي جملة خبرية لفظًا، إنشائيةٌ معنًى، والمقصود بها: الدعاء بدوام الخير هذا العام والأعوام القابلة، وكذلك مقولة "عيدكم مبارك"؛ فهي خبر في اللفظ، ودعاء في المعنى؛ أي: جعل الله عيدَكم مباركًا. 
والتهنئة في أصلها: هي الدعاء لمن أصابه خير، وإظهار السعادة لأجله. 


 
قال العلامة الأمير الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (5/ 370، ط. مكتبة دار السلام): [(هنأته)، أي: دعوت الله له أن يهنيه ما أولاه، وأظهرت السرور بما ناله] اهـ. 

والدعاء عبادة مأمور بها على كل حال؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، وقال سبحانه: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55]، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» أخرجه ابن ماجه في "السنن"، وأحمد وأبو داود الطيالسي في "مسنديهما"، والبخاري في "الأدب المفرد"، والطبراني في "المعجم الكبير"، وصححه الحاكم في "المستدرك". 






 
وقد رغَّب الشرع الشريف في خصوص دعاء المسلم لأخيه، وبيَّن أنه مستجاب؛ فعن عبد الله بن يزيد قال: حدثني الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: "إِنَّ دُعَاءَ الْأَخِ لِأَخِيهِ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُسْتَجَابُ" أخرجه الإمام أحمد في "الزهد"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والبخاري في "الأدب المفرد"، وابن المبارك في "الجهاد"، والدولابي في "الكنى والأسماء". 

وقال العلَّامة الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (5/ 1707، ط. مصطفى الباز): [وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب ويحصل له مثلها] اهـ. 

واستحبت الشريعة للمسلمين أن يُهَنِّئَ بعضُهم بعضًا ويدعو بعضهم لبعض بالخير في خواتيم العبادات؛ وفي كل أمر صالح يعود عليهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو للحاج عند تمام حجه، ولصائم رمضان عند فطره، وللتائب من الذنب عند توبته. 

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية الحج، فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «يَا غُلَامُ، زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ الْخَيْرَ، وَكَفَاكَ الْهَمَّ»، فلما رجع الغلام سلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرفع رأسه إليه وقال: «يَا غُلَامُ، قَبِلَ اللهُ حَجَّكَ، وَكَفَّرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ» أخرجه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، وابن السني في "عمل اليوم الليلة". 






 

تفضيل شهر رمضان 


وقد جاء الشرع الشريف بتفضيل بعض الأزمنة على بعض؛ ففضّل شهر رمضان، والعشرَ الأُوَل من ذي الحجة، ويومي العيدين، وليلةَ القدر، وثلثَ الليل الأخير، وهذه الأوقات المفضلة من نعم الله على عباده؛ إذ فيها مزيدُ تَجَلٍّ ورحمة من الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5]. 

 
وإذا كان الدعاء مستحبًّا على كل حال فإنه في الأحوال والأوقات والأمكنة الفاضلة يتأكد استحبابه وتزيد فضيلتُه، ويرُجَى قبولُه وإجابتُه، ومن أعظم هذه الأوقات: يوما العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى؛ إذ هما يأتيان بعد أوقات شريفة اختُصت بالاجتهاد في العبادة، فعيد الفطر المبارك هو يوم جائزة المسلم عقب شهر رمضان المعظم بصيامه وقيامه وما فيه من الصدقات وأنواع العبادات. 




 

أحوال التهنئة في السنة النبوية 


وقد جاءت السنة النبوية بالتهنئة في أحوال عديدة، وبألفاظ مختلفة. 

فوردت التهنئة بلفظ "هنيئًا مريئًا" و"هنيئًا لك" في حال حصول الشيء المحبوب، أو التبشير بالبشرى: 
فروى الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: 2]، مَرجِعَه من الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ؛ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»، قال أصحابه: هَنِيئًا مَرِيئًا. 

 
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، قال: فنزلنا بغدير خُمٍّ، قال: فنودي: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت شجرة فصلى الظهر فأخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟» قالوا: بلى، قال: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟» قالوا: بَلَى، قال: فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: «اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»، قال: فلقِيَهُ عمر رضي الله عنه بعد ذلك فقال: "هَنِيئًا لَكَ يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كل مؤمن ومؤمنة" أخرجه الإمام أحمد في "المسند" و"فضائل الصحابة"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والشجري في "ترتيب الأمالي". 

ووردت التهنئة عند الشفاء من المرض بلفظ: "ليهنك الطهر". 






 
وعن مسلم بن يسار قال: كان أحدهم إذا برأ قيل له: "لِيَهْنِكَ الطُّهْرُ" أخرجه الإمام أحمد "الزهد"، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء". 
ووردت التهنئة عند النكاح بلفظ "بارك الله لك"، وبلفظ "على الخير والبركة": 
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفَّأ الإنسانَ إذا تزَوَّج قال: «باركَ الله لَكَ، وبَارَكَ عليكَ، وجَمَعَ بينكما في خيرٍ» أخرجه أحمد في "المسند" وابن ماجه وأبو داود والترمذي والدارمي في "السنن". 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "تزوجني النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر" متفق عليه. 

 
وعن معاذ بن جبل، رضي الله عنه قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إملاك رجل من أصحابه فقال: «عَلَى الْخَيْرِ وَالْإِلْفَةِ وَالطَّائِرِ الْمَيْمُونِ، وَالسَّعَةِ فِي الرِّزْقِ، بَارَكَ اللهُ لَكُمْ، دَفِّفُوا عَلَى رَأْسِهِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الدعاء"، والأصبهاني في "حلية الأولياء". 



 




أوقات التهنئة 


فلم يرد في الشرع الشريف ما يقيد أوقات التهنئة بوقت دون وقت، أو حال دون حال، بل جعل ذلك مرهونًا بعادات الناس وأعرافهم، سواء كان من الأعياد والمواسم العامة، أم كان من الأمور الخاصة بالأشخاص، كتحقيق نجاح، أو تجاوز صعاب، أو غير ذلك مما يسعد به الناس، كما لم يرد أيضًا ما يقيدها أيضًا بلفظ دون لفظ، بل تُرِكَ ذلك لما اعتاد عليه الناس من ألفاظ وعبارات ما دامت تحمل في طياتها الأماني الطيبة والدعوات الحسنة. 

ونص الفقهاء على أنه يجوز التهنئة بما اعتاد الناس عليه من ألفاظ، ومنها قولهم: "كل عام وأنتم بخير". 

 
قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (3/ 56، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة: بمشروعية سجود الشكر والتعزية، وبما في "الصحيحين" عن كعب بن مالك رضي الله عنه، في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك، أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فهنأه، أي: وأقره صلى الله عليه وآله وسلم "مغني" و"نهاية" قال: ع ش قوله: مر "تقبل الله" إلخ أي: ونحو ذلك مما جرت به العادة.. وتسن التهنئة بالعيد ونحوه من العام والشهر على المعتمد مع المصافحة] اهـ. 

وقال العلامة الشبراملسي الشافعي في حاشيته على "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 401-402، ط. دار الفكر): [(قوله: تقبل الله منا ومنك)، أي: نحو ذلك مما جرت به العادة في التهنئة ومنه المصافحة، ويؤخذ من قوله في يوم العيد: أنها لا تطلب في أيام التشريق وما بعد يوم عيد الفطر، لكن جرت عادة الناس بالتهنئة في هذه الأيام، ولا مانع منه؛ لأن المقصود منه التودد وإظهار السرور] اهـ. 






 
وقد ورد في خصوص التهنئة بالدعاء بالبركة نصوص عديدة، يستفاد منها جواز ذلك مطلقًا. 
فعن السري بن يحيى، أن رجلًا ممن كان يجالس الحسن ولد له ابن، فهنَّأه رجل فقال: "ليهنك الفارس"، فقال الحسن: "وما يدريك أنه فارس؟! لعله نجار، لعله خياط"، قال: فكيف أقول؟ قال: "قل: جعله الله مباركًا عليك، وعلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم" أخرجه الطبراني في "الدعاء". 

هذا بالإضافة إلى أن هذه الألفاظ هي ألفاظ حسنة تبشر بالخير، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نكون من المبشرين. 
فروى الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا». 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ» أخرجه البخاري في "صحيحه". 

 
أما القول بالنهي عن ذلك لما فيه من التشبه بالكفار، فهو قول مردود وتلبيس للحق بالباطل، فالنهي عن التشبه بالكفار إنما هو في عقائدهم الباطلة، وقبائح أعمالهم، لا في العادات البشرية السائغة، والمجاملات الإنسانية الحسنة، والأماني الطيبة التي يتمناها الإنسان لأخيه الإنسان، والتي يحث عليها الإسلام ويدعو لها. 

وقد نص العلماء على أنه ليس كل تَشَبُّهٍ بأهل الكتاب يكون حرامًا حتى يكون الفعل نفسه مذمومًا، وأنّ الأمر على التفصيل، بل ذكروا أن مِنَ التَّشَبُّه ما يكون ممدوحًا عليه فاعلُه: 
قال الإمام أبو المكارم نجم الدين الغزي العامري الشافعي في كتابه "حسن التنبه لما ورد في التشبه" (7/ 299-300، ط. دار النوادر): [تنبيه: ما يُنْهَى عن التشبه فيه بأهل الكتاب هو: ما تلبسوا به مما نهاهم عنهم أنبياؤهم قبل نسخ دينهم، أو مما ابتدعوه ولم يكن مشروعًا ثم نُسِخ. 

فأما ما لم يقبل النسخ واتفقت عليه الأمم كالتوحيد وأصول العقائد المتفق عليها، فهذا دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يصح النهي عنه بحال. 

وأما ما يقبل النسخ ولم يُنسَخْ كمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق.. فهذا يُتَشبَّه فيه بصالحي أهل الكتاب وغيرهم، ما لم يثبت في شريعتنا خلافه؛ كسجود التحية، فيُجتَنَب. 







 

يستحب للمسلم تهنئة أخيه 

 
وبناءً على ذلك: فإنه يستحب للمسلم تهنئة أخيه في كل ما يصيبه من الخير سواء كان ذلك في الأعياد العامة أم كان في المناسبات الخاصة، ويجوز له ذلك بكل لفظ يحمل معنى الأماني الطيبة والدعوات الصالحة مما اعتاد عليه الناس بينهم، ومن ذلك قولهم: "عيدكم مبارك"، أو "كل عام وأنتم بخير"، بل يستحب التهنئة بهما؛ لما فيهما من الدعاء بالخير، والتبشير به، وأما نفي جواز ذلك أو القول ببدعيته لمشابهته لقول الكفار: فهو كلام باطل؛ إذ المنهي عنه في مشابهة الكفار هو مشابهتهم في عقائدهم الكفرية أو عاداتهم التي ورد النهي عنها في شرعنا، أما ما لم يرد عنه نهي في شرعنا من عاداتهم أو أقوالهم الحسنة فلا يشمله النهي عن التشبه بهم، بل هو مما يندب فعله. 

 
والله سبحانه وتعالى أعلم. 

 

ads