يُعد الشطرنج من الرياضات الذهنية المحببة للكبار والصغار، وهو من الألعاب التي تعتمد على الذكاء والمهارات العقلية، وتنتشر مسابقاته عالميا وتقام له بطولات دولية ومحلية، فما حكم اللعب بالشطرنج؟ وهل يختلف حكمه عن حكم اللعب بالنرد عند الفقهاء؟
وتعرض «هير نيوز» لكِ سيدتي الإجابة من خلال فتاوى دار الإفتاء المصرية، وفتوى الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية.
ويقول الدكتور شوقي علام إن اللعب بالشطرنج مُباحٌ عند جماهير العلماء سلفًا وخلفًا، ولا شيء فيه ما لم يكن قمارًا، أو سببًا في إسقاط المروءة، أو مفوِّتًا للواجبات والمهمات، أو منقطعًا به عن العبادات. وقد أقره جمعٌ من الصحابة والتابعين، وتبعهم جماعة من الفقهاء والمحدِّثين؛ حتَّى شبَّه بعض الفقهاء هذا القول بالإجماع، وذلك لِما وضعت له هذه اللعبة من التدبير والتخطيط وإعمال العقل وتنشيط الذهن، بخلاف النرد على المال؛ لِما فيه من المقامرة المحرمة.
وما ورد في النهي عنها من آثار عن بعض الصحابة والتابعين: فليست على إطلاقها في الحرمة، بل هي محمولة على الانشغال عن الصلاة عند سماع الآذان، أو ذكر الفحش من الكلام عند اللعب بها، أو تشابه صورتها بالتماثيل المعبودة عند بعض الطوائف.
أشكال اللعب المباح
والنصوص التي جاءت باستثناء بعض أشكال اللعب المباح لا تفيد حصر الإباحة فيها، وإنما هي تنبيه على مشروعية ما يفيد من اللعب ونهي عما لا يفيد، وإلَّا فقد رغَّب الشرعُ الشريف إلى تعلم بعض الرياضات المشتملة على المنافع والمصالح مع أنها لم تذكر في الخصال الواردة في الحديث، واللعب بالشطرنج داخل ضمن هذه المعاني؛ لِما تضمنه من معنى التنبيه على مكائد الحرب ووجوه الشدِّ والحزم وتدبير الجيوش.
والشِّطْرَنجْ أو السِّطْرَنجْ: كلمة فارسيّة مُعرَّبة هي اسم لُعبةٍ بين طرفين في صورة جيشين متحاربين وفقَ قواعد مُعيَّنة، وهي أداةٌ للهو والتسلية، وقد اخترعها -فيما يُقال- رجلٌ يُقال له: "صِصَّةُ بنُ داهر" لملكٍ من ملوك الفرس، ففرح بها حتى إنه أدخلها دور العبادة، وفضّلها الحُكَماء على النرد؛ لِمَا فيها من إعمال الفكر وشحذ الذهن، بخلاف النرد.
قال العلَّامة الفيروزآبادي في "تحبير الموشِّين في التعبير بالسّين والشّين" (ص: 43، ط. دار قُتيبة): [الشِّطرنج والسِّطرنج -بكسر أولهما- اللُعبة المعروفة التي اخترعها صصَّة بن داهر الهندي للمَلك شِهرام -بكسر الشين المعجمة-، وكان بن بابِك أول ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النَّرْد، ولذلك قيل: النَّرْدشير، فافتخرت الفرس بوضعه، فوضع صصَّة المذكور الشطرنج لشِهْرَام، فقضت حكماء العصر جميعًا بترجيحه على النرد، وفرح بها شِهرام كثيرًا وأمر أن يكون في بيوت الديانات، ورآها أفضلَ ما عُلم].
الشطرنج والنرد
والشطرنج والنرد وإن كانتا تشتركان في أنهما أداتان للهو، غير أن في الشطرنج شحذًا للعقل، وتنشيطًا للذهن، وتقويةً للفكر، بخلاف النرد؛ الذي يقوم اللعبُ به على محض الحظ والمخاطرة.
قال القاضي عياض المالكي (ت544هـ) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 202، ط. دار الوفاء): [وقد قال بعض العلماء: كأن الأوائل لَمّا نظروا إلى أمور الدنيا فوجدوها تجري على أسلوبين مختلفين: منها ما يجري بحكم الاتفاق، ومنها ما يجري بحكم السعي والتخيل، فوضعوا النرد مثالًا لِمَا يجري من أمور الدنيا بحكم الاتفاق؛ لتشعر به النفس وتتصداه.
ووضعوا الشطرنج مثالًا لِمَا يجري من أمور الدنيا بحكم السعي والاجتهاد؛ لتشعر النفس بذلك، وتنهض الخواطر إلى عمل مثله مِن المطلوبات].
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي (ت620هـ) في "المغني" (10/ 151، ط. مكتبة القاهرة): [ويفارق الشطرنجُ النردَ من وجهين: أحدهما: أن في الشطرنج تدبيرَ الحرب، فأشبه اللعبَ بالحراب، والرميَ بالنشاب، والمسابقة بالخيل. والثاني: أنَّ المعول في النرد ما يخرجه الكعبتان؛ فأشبه الأزلام، والمعول في الشطرنج على حذقه وتدبيره؛ فأشبه المسابقة بالسهام] اهـ.
وقال العلَّامة ابن حجر الهيتمي الشافعي (ت974هـ) في "تحفة المحتاج" (10/ 216، ط. المكتبة التجارية): [وفارق الشطرنجَ: بأن معتمدة الحسابُ الدقيق والفكر الصحيح؛ ففيه تصحيح الفكر، ونوع من التدبير. ومعتمدُ النَّرْدِ: الْحَزْرُ والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق].
اختلافُ العلماء
ولأجل هذا الفرق بين النرد والشطرنج كان اختلافُ العلماء في حكم اللعب بالشطرنج أوسعَ وأيسرَ من اختلافهم في حكم اللعب بالنَّرد.
واللعب بالشطرنج وارد عن جماعات من السلف؛ حتى عدَّ بعض الفقهاء ذلك "أشبه بالإجماع" على إباحته، فمن الصحابة: عمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وعبد الله بن عبَّاس، والحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، رضي الله عنهم، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن المنكدر، وعروة بن الزبير، وابنه هشام، وسليمان بن يسار، وأبو وائل، والشعبي، والحسن البصري، وعلي زين العابدين، وجعفر بن محمد، وابن شهاب، وربيعة، وعطاء، رحمهم الله.
واللَّعب بالشطرنج داخل ولا بد ضمن هذه المعاني المباحة؛ لِما فيه من التنبيه على مكائد الحرب ووجوه الحزم وأخذ التدابير، وهذا أقرب إلى أن يكون مستحبًّا منه إلى أن يكون محرَّمًا.
وقد أقره جمعٌ من الصحابة والتابعين، وتبعهم جماعة من الفقهاء والمحدِّثين؛ حتَّى شبَّه بعض الفقهاء هذا القول بالإجماع، وذلك لِما وضعت له هذه اللعبة من التدبير والتخطيط وإعمال العقل وتنشيط الذهن، بخلاف النرد على المال؛ لِما فيه من المقامرة المحرمة.
وما ورد في النهي عنها من آثار عن بعض الصحابة والتابعين: فليست على إطلاقها في الحرمة، بل هي محمولة على الانشغال عن الصلاة عند سماع الآذان، أو ذكر الفحش من الكلام عند اللعب بها، أو تشابه صورتها بالتماثيل المعبودة عند بعض الطوائف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اقرأ أيضًا..