حكاية الشيطانة والمنحوس فى دعوى نفقة أمام محكمة الأسرة
كل الأشياء كانت ضده منذ نعومة أظافره، فقد ولد "حمدي" وماتت أمه بعد الولادة مباشرة، الأطباء أخبروا والده في مستشفى القرية أن إصرار الجنين على الحياة كان أقوى من مقاومة الأم للآلام والجراحة، اعتبره أبوه سببا مباشرا في رحيل شريكة العمر التي ظلت تحلم بالإنجاب عشرة أعوام دون أن تتوقع أن حياتها ستكون ثمن الأمومة التي لن تكون من نصيبها أبدا.
موت الخال وعذاب زوجة الأب
كفله خاله عاما، لكن الخال ذات نهار بلغه أن طفلا شقيا ضرب ابن أخته اليتيم حمدي فطار الخال إلى والد الطفل الشقي يعاتبه، احتد العتاب وانقلب إلى مشاجرة طعن فيها والد الطفل خال اليتيم في قلبه بالسكين فصرعه في الحال، تشاءم الناس من "حمدي" وسلمته زوجة خاله الى أبيه، لكن "حمدي" فوجيء بأنه عاد للجحيم بقدميه، سوته زوجة أبيه الشابة على جانبيه، أشبعته ضربا وركلا وتعذيبا في النهار، ولفقت له الاتهامات في المساء، لم يستطع الصغير الدفاع عن نفسه، تحمل وتحامل على نفسه، كان يسأل نفسه كلما عاد من مدرسته الابتدائية، لماذا يضحك زملاؤه ويلهون ويلعبون بينما لا يعرف هو غير الدموع والهموم وكأنه شيخ هرم لم يعش من الحياة غير الحزن؟ ولم تكن لأسئلة حمدي إجابات تفسر له طفولته التي تمضي من سيئ إلى أسوأ إن لم يكن يفهم معنى المؤامرة وما تدبره له زوجة أبيه حتى صار والده لا يطيقه ولا يحتمل رؤيته.
وذات صباح نسج القدر فصلا جديدا من حياة الصغير لم يفهمه في حينه، جلس ليتناول إفطاره بعد أن استبد به الجوع منذ ليلة الأمس التي ظلت فيها زوجة أبيه تكوي جسده بالنار ساعتين أو أكثر، ما كاد يمضغ أول لقمة من رغيف الخبز الجاف حتي ركلته زوجة الأب وطالبته بأن يكف عن الطعام الذي لم يبتلع أول لقمة فيه، توسل إليها أن ترحمه من الجوع، أمسكت به، توقع أن تضربه من جديد، أفلت من يدها.
محاولة انتحار
هرول إلى خارج البيت بلا هوى، أخذته قدماه إلى الترعة الكبيرة، القى بنفسه دون تفكير، ربما ينقذه ذلك من الموت على يد زوجة أبيه، لمحه شاب يعرف مأساته، أنقذه الشاب بأعجوبة، تجمع أهل القرية حول الغريق الصغير العائد للحياة، زعم الشيخ حمدان وفدا من الأهالي واصطحبوا الصغير إلى أبيه، لكن الأب رفض أن يتدخل أحد في حياته الخاصة، بل تحداهم الأب وهو يصيح فيهم: "اللي قلبه عليه ياخده يربيه وفضوها سيرة بقى".
سقط الأب في عيون الأهالي وعاد الشيخ حمدان بحمدي، رباه فأحسن تربيته، ساعده على إكمال تعليمه، غرس فيه القيم والمباديء، وراح حمدي يكبر ويشتد عوده وأن ظل قلبه معلقا بأبيه، كانت أحلى لياليه حينما يسامره الشيخ حمدان ويحكي له عن طيبة والده وأخلاقه الرفيعة حتى دخلت حياته زوجته الجديدة فقلبتها رأسا على عقب، دمرت جذور الطيبة وزرعت في أعماقه الأحقاد والكراهية.
وكان حمدي تسعده سيرة أبيه الأولى ويسعده أكثر دفاع الشيخ عنه، خاصة حينما يؤكد الشيخ أن والد حمدي مثل
كل إنسان لم يخلقه الله ظالما، وإنما هناك من يصنعون الظلم ويروجون له
ويدفعون الأخرين دفعا الى عشقه،
وكان الشيخ حمدان الذي لا يجيد القراءة والكتابة يروي لحمدي طالب الثانوية العامة حكايات التاريخ ويربط الأحداث الصغيرة بالوقائع
الكبيرة في التاريخ، وهكذا كانت نفسية
حمدي ترتاح كلما رسخ الشيخ حمدان في أعماقه أن الإنسان يولد على الفطرة حتى يدفعه الآخرون إلى الظلم.. ومن هؤلاء كان والد حمدي.. ودارت
الأيام.
موت الوالد
وذات يوم مات والد حمدي، وبكاه ابنه طويلا، ورغم كل الماضي القاسي للاب شعر حمدي أن ظهره انكسر، وأن يتمه اكتمل، ولم يتركه الشيخ حمدان حتى تجاوز محنته وعبر امتحاناته بنجاح والتحق بالجامعة وصار لزاما أن ينتقل حمدي الى القاهرة لأول مرة، وتترك الدنيا التي عاشها حمدي بصماتها على حياته، إنزوى في المدينة الجامعية.
كان يترقب الإجازة الصيفية ليزور الشيخ حمدان في قريته، إلا أن الشيخ العجوز استعجل الأمر وجاء بنفسه إلى حمدي، قضيا ساعات طويلة من النقاش دون أن يتوقع كلاهما انه لقاء الوداع، تخلي الشيخ عن حكايات التاريخ وركز على النصائح والمواعظ التي ألقاها على حمدي دفعة واحدة كالاستاذ المحب لتلميذه في آخر محاضرة يركز له المنهج ويشير إلى أهم النقاط فيه، ولم ينسى حمدي أبدا عبارة قالها الشيخ في معرض حديثه دون أن يتوقف عندها طويلا، 'بعض الناس يا بني تكتب عليهم حياتهم الوحدة.. وربما كان هذا خيرا لهم لا شر'.
حكاية الزواج
تزوجها حمدي، عرف طعم الراحة لأول مرة، تفتحت عيناه على متع لم تخطر له على بال من قبل، أسعده أن تشاركه امرأة حياته تحت سقف واحد وفوق فراش واحد، لكن لمياء سرعان ما بدأت عملية تشكيل حمدي، علمته الأناقة وفنون الكلام والصمت وبروتوكولات المناسبات، وبقدر فرحة حمدي بلمياء كانت تعاسته من قيود حياته الجديدة خاصة حينما أصرت لمياء علي انتزاع صور الشيخ حمدان من حجرة حمدي، تألم طويلا حينما قالت بالحرف الواحد 'دي جليطة' مثل هؤلاء أصحاب الطواقي والجلاليب لا تكون صورهم في مثل هذه الأماكن، لم يستطع حمدي ردا.
تنازلات وتمرد
ومع الأيام اتسعت دائرة التنازلات حتى تنبه إليها حمدي ذات ليلة استثمرت فيها لمياء كل أسلحتها ليشهد حمدي زورا في قضية تهم أباها، وفي الصباح أدرك حمدي ان مأساته قد بدأت، رفض بشدة الذهاب الي المحكمة، احتدت لمياء عليه، تذكر جلساته مع الشيخ حمدان، لمياء تضعه الآن ظالما مثلما كان أبوه، لم يدر بنفسه إلا وهو يصيح في وجهها بيمين الطلاق وبعدها خرج حمدي من شقة لمياء، عاد إلى حجرته القديمة، أخرج من حقيبته صور الشيخ حمدان ونشرها فوق الجدران وراح يحدثها بنبرات عالية تخفت رويدا رويدا، معك حق يا شيخ حمدان، عفوا ان كنت قد نسيت نصائحك بعض الوقت، انا مثلك يا شيخ حمدان كتبت علي حياتي الوحدة، ولا راد لقضاء الله، استرح يا أبي، فلن أخرج من عباءتك أبدا، انتظرت لمياء عاما، عامين، لكن توقعاتها خابت ولم يعد حمدي، أرسلت إليه الوسطاء ليصلحوا بينهما إلا أنهم فشلوا جميعا.
اقرأ أيضا..
غسلوا عارهم.. ربع دستة أشقاء قتلوا أختهم بعد حملها سفاحًا
ً
رفض الدعوى
أرادت أن تشاغبه في المحاكم،
أقامت دعوى نفقة فى محكمة الأسرة بمصر الجديدة، ورد محاميه أنها لا
تستحق النفقة بعد سكوتها عامين من الطلاق، وردت بأنها كانت تمنح زوجها
فرصة ليراجع نفسه ويعود إلى صوابه لكن اقتنع "حمدي" اخيرا أن السير على خطى الشيخ
حمدان هو افضل شىء وأنه سيخلصه من المتاعب مهما كانت، قضت المحكمة برفض دعوى
الزوجة والزامها بمصاريف المحاماة.