«تعرفي على جدول حياتك».. أول جدول مصري للتنبؤ بالعمر
الأحد 26/ديسمبر/2021 - 01:31 م
طارق الحديوى
تدين صناعة التأمين العالمية لكل من جون جرونت John Graunt وإدموند هالي Edmond Halley باختراع تلك الأداة الإحصائية الحيوية المهمة، أو ما يعرف بجدول الحياة أو جدول الوفيات، ويعد جون جرونت من مؤسسي علم السكان (Demographers) ومن أوائل الباحثين في علم الأوبئة (Epidemiology).
جدول الحياة
ويوضح جدول الحياة الذي طوره جون جرونت أن 60% من السكان لن يصلوا لسن 16 وأن فقط 25% سيصلون لسن 26. ما يفسر هذا الجدول أن جون جرونت عندما وضع هذا الجدول كانت بريطانيا تعاني من انتشار الأوبئة، وهذا ما يفسر انخفاض احتمالات الحياة لأفراد المجموعة والذي يعني بصيغة أخرى زيادة احتمال الوفاة.
وتحسب هذه الإحصاءات متوسط العمر المتوقع للأشخاص في مختلف الأعمار واحتمال البقاء على قيد الحياة في سنة معينة من العمر، وتستمد بيانات هذا الجدول إما من بيانات الاحصاءات العامة ( التعداد العام للسكان ) وإما من بيانات شركات التأمين من واقع خبرتها، ونظرًا لاختلاف معدلات الوفيات الخاصة بالرجال عن تلك الخاصة بالنساء، يتم حساب جدول الحياة الاكتواري بشكل منفصل للرجال والنساء. يسمى جدول الحياة الاكتواري أيضًا جدول الوفيات أو الجدول الاكتواري وكلها مسميات مترادفة.
التعريف :-
جدول الحياة أو الوفاة هو أداة يمكن بواسطتها تحديد احتمال الحياة أو الوفاة عند كل عمر من الأعمار أى أن جدول الحياة يُظهر احتمال وفاة شخص في سن معينة.
تجارب تاريخية للدول
1- مصر
جدول الحياة المصرى الوحيد هو ذلك الذي تكوّن على أساس خبرة موظفي الحكومة المصرية الذين كانوا يخضعون لنظام المعاش الحكومي عن المدة من عام 1922 إلى عام 1928 والذي قام بعمله مستر كريج الخبير بوزارة المالية في ذلك الوقت. وقد حدثت بعض المحاولات الفردية لعمل جداول خبرة محدودة البيانات وتعتمد على اجتهادات شخصية بحتة؛ ولذلك لم تتمكن شركات التأمين المصرية من استخدامها.
وقد قام أكثر من خبير من الخبراء الاكتواريين المصريين بعمل جداول حياة من واقع الإحصاء السكاني. وهذه بطبيعة الحال لا يمكن استخدامها في حساب أقساط التأمين؛ لأنها لا تعتمد على خبرة شركات التأمين في الماضي.
ومن هنا جاءت مبادرة الهيئة العامة للرقابة المالية لإعداد جدول حياة مصري منذ أواخر عام 2006، وجاء هذا بسبب أن سوق التأمين المصرية رغم زيادة الطلب على منتجات التأمين على الحياة فإنها لا تعتمد على أسعار منتجات الحياة المصرية في حساباتها على خبرة السوق المصرية؛ حيث تعتمد على خبرة الشركات الأجنبية ممثلة في الجداول الأمريكية cso-1958 وجدول عام cso-1980 أو الجداول الاكتوارية الإنجليزية، ونظراً لوجود اختلافات جوهرية بين الخبرة المصرية والخبرة الأمريكية والإنجليزية ( لأسباب عديدة ناتجة من اختلاف طبيعة المجتمع الأمريكي أو الإنجليزي عن طبيعة المجتمع المصري، وخاصة في المستوى الاقتصادي، المستوى الصحي، والمستوى الثقافي )؛ الأمر الذي جعل تكوين جداول اكتوارية تمثل الخبرة المصرية ضرورة لا غنى عنها.
2- المملكة المتحدة
ظهرت جداول عدة أولها المجموعة التي ظهرت عام 1869 وأطلق عليها جداول الخبراء الاكتواريين. ومجموعة جداول رؤساء التأمين التي أنشئت على أساس خبرة ثلاثين سنة من عام 1863 إلى عام 1893، ومجموعة جداول خبراء التأمين عن أصحاب دفعات المعاش والتي نشرت عام 1924، ومجموعة جداول التأمين على أصحاب المعاش الحكوميين والتي أُنشئت على أساس الخبرة بين عامي 1900 و1920، وأخيراً الجدول الذي أنشئ على أساس الخبرة بين عامي 1924 و1929 والذي نشر عام 1934.
3- الولايات المتحدة الأمريكية
ظهرت عدة جداول حياة تعتمد على خبرة شركات التأمين الأمريكية أولها جدول الخبرة الأمريكية وظهر عام 1867، والجدول الأمريكي الذي أنشئ على أساس خبرة المدة من عام 1844 إلى عام 1874، والجدول الأمريكى للرجال والمكون على أساس خبرة من عام 1900إلى عام 1915 والذي ظهر عام 1918، والجدول الموحد العادي لعام 1941، وجدول أصحاب المعاشات للذكور لعام 1949، وجدول التأمين الموحد العادي لعام 1958، وأخيراً جدول التأمين الموحد العادي لعام 1968 والذي يطلق عليه 1968 CSO
أهمية جداول الحياة الاكتوارية:-
تعتمد هذه الجداول على أسس فنية في الحسابات الاكتوارية وتتضح أهميتها كأداة في حسابات تكلفة التأمين على الحياة فيما يلي:
المساهمة في إنجاز وإتمام عملية الاكتتاب وإعادة التأمين على أساس دقيق.
تحقيق العدالة في حساب أقساط التأمين على الحياة بين قسط التأمين والخطر.
حساب الاحتياطي الحسابي للوثائق المختلفة التي تصدرها شركات التأمين على أسس سليمة.
إمكانية تحديد تكلفة تأمين المعاش الشامل بطريقة علمية وليس بطريقة تحكمية، وفي ذلك عدالة التوزيع لعبء التأمين على الجيل الحاضر والأجيال القادمة.
إمكانية حساب تكلفة تأمين المعاش الشامل لكل جنس على حده؛ حيث إن الهيكل السكاني للذكور يختلف عن الهيكل السكاني للإناث.
إمكانية تحديد الاحتياط للمستقبل بتكوين احتياطي لتأمين سن المعاش الشامل في السنوات القادمة؛ حيث إنه من المتوقع زيادة نسبة كبار السن في المستقبل إلى مجموع السكان.
إمكانية التوسع في تطبيق التأمين الصحي؛ بحيث يصبح تأميناً شاملاً لجميع أفراد المجتمع، وفي إطار يضمن استمرار تطبيقه، وذلك عند حساب تكلفة التأمين الصحي من خلال الجدول الاكتواري.
تقدم نتائج أكثر استقراراً وأكثر قدرة على التنبؤ بمعدلات الوفاة؛ مما يؤدي إلى الاستقرار في نظام التأمين.
كما تظهر أيضاً أهمية جداول الحياة الاكتوارية في أن الأساليب الأخرى مثل تحليل كل من الانحدار Regression Analysis والسلاسل الزمنية Time series والتوزيعات الاحتمالية Probability distribution لا تعطي تقديرات جيدة؛ بحيث تؤدي إلى استقرار نظام التأمين لهذا الفرع، كما أن تلك الأساليب لا تصلح على المدى الطويل للتنبؤ بمعدلات الوفاة إجمالاً بما يكفل دقة النتائج، خاصة عند مقارنة معدلات الوفاة المتوقعة بمعدلات الوفاة الفعلية، بينما تقدم الجداول الاكتوارية نتائج أكثر استقرارًا وأكثر قدرة على التنبؤ بمعدلات الوفاة؛ مما يؤدي إلى الاستقرار في نظام التأمين.
مكونات جدول تأمينات الحياة:-
· (x) فئة عمرية محددة
· (Lx) عدد الأشخاص الذين بقوا على قيد الحياة حتى سن x
· (ndx) عدد الأشخاص المتوفيين بين الفئة العمرية x وx+n
· (nqx) احتمال أن شخصًا ما يبلغ من العمر x بالضبط سيموت قبل بلوغه x+n
· (npx) احتمال أن شخصًا ما يبلغ من العمرx بالضبط سوف يعيش حتى العمرx+n
· (nLx) عدد الأشخاص الباقيين على قيد الحياة بين العمر x و العمر x+n
· (Tx) عدد الأشخاص الذين أعمارهم x سنة وأكثر
· (Ex) توقع العمر عند سن x
· (nmx) معدل الوفاة في مجموعة ما بين الفئة العمرية x و x+n
جداول الحياة وحساب القسط:-
تعتمد عملية حساب الأقساط للأنواع المختلفة لعقود تأمينات الحياة على ثلاثة عناصر هي:
1- احتمال الحياة أو الوفاة لشخص ما خلال فترة معينة عند سن معين.
2- معدل الفائدة الفني Interest Rate الذي يمكن لشركة التأمين التأكد من إستثمار الأموال المتجمعة لديها على أساسه.
3- التحميلات Loadings التي تضيفها شركة التأمين لتغطية العمولات المدفوعة للمنتجين والمصروفات الإدارية والعمومية بالإضافة إلى الأرباح التي توزع على المساهمين.
وبالتالي يشكل جدول الحياة الأساس الذي يعتمد عليه قسط الخطر Risk Premium ثم يتم أخذ معدلات الفائدة والتحميلات فى الاعتبار لحساب القسط التجاري Gross Premium .
دور الهيئة العامة للرقابة المالية
"بعد 120 عامًا تأمينًا.. وضع أول جدول حياة مصرى في معدلات الوفاة والعجز"
قام رئيس الهيئة المصرية للرقابة على التأمين بإصدار قرار رقم 569 لسنة 2006 بتشكيل لجنة تتكون من (خمسة خبراء اكتواريين – اثنين من خبراء الحاسب الآلي – خبير إحصائي) في إطار تعاون مشترك بين جمعية الخبراء الاكتواريين والهيئة المصرية للرقابة على التأمين مهمتها تحديث جداول تأمينات الحياة والتي يعتمد عليها مكتتبو التأمين في تقييم الخطر وتحديد الأسعار، والوصول إلى جدول حياة جديد ليتم تطبيقه على عملاء المجتمع المصري، وتقليل الاستعانة بجداول حياة أخرى مصممة لمجتمعات أخرى.
وقد اعتمدت الدراسة على تجميع البيانات والمعلومات من شركات التأمين العاملة بفرع الحياة، ومن ثم دراسة البيانات واستبعاد الحالات غير الصالحة للدراسة، إما بسبب نقص في البيانات وإما عدم مصداقيتها وتوحيد لشكل تلك البيانات، ومن ثم استخراج وتحليل معدلات الوفاة الخام وتدريج وتهذيب المعدلات الخام لاستنباط الجدول ( الجداول ) التي تمثل خبرة شركات التأمين المصرية، وانتهت النتائج الأولية لجدول الحياة من واقع الخبرة المصرية حينها بدراسة مقارنة لمعدلات الوفاة والتي استخرجت منها النتائج التالية:
· ارتفاع معدلات الوفاة بالنسبة للأعمار فوق سن 40 عن تلك الجداول المستخدمة في سوق التأمين المصري.
· ارتفاع معدلات الوفاة للتأمين بكشف طبي عن نظيرتها بدون كشف طبي، وهو الأمر الذي ( إذا صح ) قد يشير إلى قصور في الاكتتاب.
· ارتفاع قيمة الأقساط الصافية باستخدام معدلات الوفاة الناجمة عن الدراسة عن مثيلاتها المستبطة من الجداول المستخدمة في السوق المصري، وذلك بالنسبة للتأمين الطبي بكشف.
· ارتفاع قيمة الاحتياطيات الصافية باستخدام معدلات الوفاة الناجمة عن مثيلاتها من الجداول المستخدمة في السوق المصري، وذلك بالنسبة للتأمين المؤقت، أما التأمين المختلط فتتقارب الاحتياطيات فيه، ومن نتائج الدراسة أيضاً كان إنشاء قاعدة بيانات أساسية لمؤشرات معدلات الوفاة الخام.
وقد قامت اللجنة المصرية لإنشاء ودراسة الجداول الإكتوارية، والمشكلة بقرار رئيس الهيئة رقم (1194) لسنة 2018، والتي أسند إليها جمع وفحص وتدقيق البيانات وتحديث الجداول في المستقبل- بإعداد كراسة الشروط والمواصفات الفنية لتنفيذ المشروع متضمناً إنشاء جداول لمعدلات الوفاة والعجز الكلي والجزئي والأمراض الحرجة، والجداول المرضية لاستحداث منتجات تأمينية لحماية الدخل في حالة المرض، خاصة للعمالة الموسمية التي قد تتعرض لنقص أو انقطاع الدخل أثناء فترات المرض.
وتهدف اللجنة المصرية لإنشاء ودراسة الجداول الإكتوارية إلى توفير التدريب للكوادر الإكتوارية في مصر على الطرق والأساليب المستخدمة في إنشاء تلك الجداول الاكتوارية، وتحديثها لتتوافق وتواكب المعايير الاكتوارية الدولية.
وقد انتهت الهيئة من إعداد الجدول بالفعل، وسيتم العمل خلال المرحلة المقبلة على إعداد وتهيئة السوق لاستخدام هذا الجدول الاكتواري الجديد؛ ليتم البدء في تطبيقه فعلياً مع المركز المالي المنتهي في يونيو 2022؛ وذلك لإتاحة فرصة للشركات لوضع ذلك في اعتبارها عند تحديد مخصصاتها الفنية.
رأي الاتحاد:-
يعد إنشاء جدول اكتوارى مصري من الخطوات الرئيسية لتطوير سوق تأمينات الحياة المصرى ويزيد من كفاءته؛ حيث ما زالت شركات تأمينات الحياة في مصر تعتمد حتى هذه اللحظة على الجداول الاكتوارية الإنجليزية، والتي تعود لمنتصف القرن الماضي في تسعير منتجاتها، ولا تمثل بدقة سوق تأمينات الحياة المصري؛ مما يؤثر على قدرة السوق على مواكبة التطور العالمي في تسعير مختلف المنتجات التأمينية. ويحقق العدالة بين الخطر وتكلفة التأمين عليه.
كما سيؤدي إنشاء أول جدول حياة مصري إلى تعزيز قدرات شركات تأمينات الحياة على تسعير المنتجات التأمينية بدقة؛ لضمان عدم المغالاة والعدالة في التسعير، مع ابتكار منتجات جديدة تخدم مختلف فئات المجتمع، بالإضافة إلى تحقيق حماية أفضل وأقوى لحقوق حملة الوثائق من خلال حساب الاحتياطيات الحسابية والنماذج الإكتوارية لوثائق تأمينات الحياة بشكل أدق.
وإيماناً من الاتحاد بأهمية إعداد جدول اكتواري لتأمينات الحياة ممثلاً لخصائص المجتمع السوق المصرى فقد استضاف الاتحاد للعديد من الندوات وورش العمل في هذا الشأن على مدار السنوات السابقة.