جرائم الشرف.. يرتكبها الجناة بقصد إزهاق الأرواح لكن ليس لها وجود في قانون العقوبات
الأحد 15/أغسطس/2021 - 11:11 ص
ادم صالح
بين قضايا العنف الأسري والزوجي إلى التحرش وجرائم الشرف، كشفت دراسات مصرية حديثة عن ارتفاع معدل الجرائم بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، التي جعلت مصر تحتل المركز الثالث عربيًّا والـ24 عالميًّا في جرائم القتل، بحسب تصنيف "ناميبو" لقياس معدلات الجرائم بين الدول.
جرائم القتل العائلي
وكشفت دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث في إجمالي جرائم القتل، فيما أكدت دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن نسبة 92% من هذه الجرائم تُرتكب بدافع العرض والشرف، فضلًا عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.
معدلات مرتفعة
وأظهرت الدراسة، أن شهر يوليو الماضي سجل معدلات مرتفعة في جرائم القتل بأنحاء الجمهورية، تجاوزت 50 حالة، أغلبها خلافات أسرية على توفير احتياجات المعيشة أو بدافع السرقة، بالإضافة لجرائم الشرف التي تذيلت القائمة، في الوقت الذي تصدرت فيه محافظتا الجيزة والقاهرة، القائمة، بواقع 16 جريمة قتل.
جرائم الشرف
أصبحت "جرائم الشرف"، التي يتورط فيها الآباء والأشقاء والأزواج والأقارب بحق بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم، تحصد أرواح آلاف الأبرياء، حتى إن تلك النوعية من الجرائم لم تتفش في مصر فقط، بل في الدول العربية والعالم أيضًا.
• إحصائيات جرائم الشرف تكشف حجم المأساة
ويشير تقرير أعدته الأمم المتحدة العام الماضي، إلى أنه يقع سنويًا حوالي 5 آلاف شخص، ضحايا لـ"جرائم الشرف"، أغلبهم من الإناث، في المجتمعات التي تعيش وفق العادات والتقاليد المحافظة، فيُقتلن خنقًا أو حرقًا أو رجمًا أو طعنًا.
وأوضح التقرير أن جرائم الشرف أصبحت معركة دموية في بلدان كثيرة، مثل باكستان، أفغانستان، الهند، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، اليمن، تركيا، السويد، العراق، المغرب، ومصر، الأمر الذي يدفع المنظمات الحقوقية والدولية للمطالبة بتشديد العقوبات على هذا النوع من الجرائم.
الجرائم الأسرية
أما في مصر، فقد كشفت إحصائية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الجرائم الأسرية التي تندرج معظمها تحت مسمى "جرائم الشرف"، يرتكبها الأزواج أو الآباء أو الأشقاء بدافع الغيرة على "الشرف وغسل العار".
وأكد التقرير أن 70% من جرائم الشرف ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم، و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم، أما نسبة الـ3% الباقية من جرائم الشرف، فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم، في وقت تراوح عدد ضحايا جرائم الشرف من 900 لـ2000 جريمة سنويًا.
جرائم شغلت الرأي العام
وقد شهد الأسبوع الماضي عدة جرائم شرف شغلت الرأي العام، وأصابت الشارع المصري بحالة من الحزن والقلق، بل وخصصت منصات التواصل الاجتماعي مساحات واسعة للنقاش والجدال حول تلك الجرائم التي ارتكبت في مناطق مختلفة بأنحاء الجمهورية.
فبسبب الشك في سلوك الفتيات والزوجات، أقدم شاب وخاله على ذبح شقيقة الأول في منطقة أكتوبر، وفي إمبابة، استدرج شخص، زوجته، داخل منزل مهجور، وانهال عليها طعنًا بالسكين، وفي المنيا، قتلت فتاة في العقد الثاني من عمرها بعدة طعنات نافذة وخنقت بحبل غسيل بسقف غرفة نومها.
• أستاذ طب نفسي: النرجسية والمخدرات تقودان الجناة
يقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي: إن جرائم الشرف تتعلق بقيم متوارثة وتعود أيضًا لشخصية الجاني، وعادة ما تكون الضحية فيها أنثى، موضحًا أن الأب أو الزوج أو الأخ يعتبر أن الأفعال المخلة للأنثى في أسرته أو الأخطاء الأخلاقية (حتى لو مجرد شكوك)، إهانة له وتقليل من قيمته واسم عائلته في المجتمع، فيصبح لا يستطيع السير في وسط الناس أو النظر في أعينهم، وبالتالي يكون عليه التخلص منها للانتهاء من هذا العبء النفسي.
اضطراب الشخصية للجناة
وأرجع فرويز، معظم جرائم الشرف، إلى اضطراب الشخصية للجناة، وخاصة من أصحاب الشخصيات التشككية أو مرضى الاضطراب التشككي أو الانفصام التشككي، موضحًا أن الشخصية التشككية تسمى في علم النفس "النرجسية"، وهي شخصية لديها ثقة عالية في الذات ولا يوجد لديها ثقة في الآخرين مهما كانوا، فدائمًا تنظر بنظرة الشك والريبة في كل تصرفاتهم وأفعالهم.
الاضطراب التشككي
وأضاف أن الاضطراب التشككي ما هو إلا مرض تكون لدى المريض فكرة خاطئة مسيطرة على تفكيره كالخيانة، وبمجرد أن تجتمع بهلاوس سمعية أو بصرية أو حسية تتحول لفصام تشككي، وهو ما يقوده لارتكاب الحماقات والجرائم، مؤكدًا أن ارتكاب الجناة للجرائم يتزايد مع تعاطي المخدرات.
شخصيات مضادة للمجتمع
وتابع أن هناك شخصيات مضادة للمجتمع، لديها اضطرابات شخصية وسلوكية، وتدخل مشاكلها في حياتها الطبيعية، مضيفًا: "زي الزوج الخائن، لما الست اللي بيخون مراته معاها تقوله أنا بعمل كذا أو كذا علشان أهرب من جوزي، لو جت مراته قالتله إنها بتعمل نفس الحاجة، يشك فيها ويظن إنها خاينة".
• أستاذ قانون جنائي: ليس لها وجود في قانون العقوبات
وعن الضوابط القانونية التي يندرج تحتها "جرائم الشرف"، يقول الدكتور نبيل سالم، أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس، إنه لا يوجد نص قانوني عن عقوبة جرائم القتل بدافع الشرف، موضحًا أن قانون العقوبات لا يعتد سوى بنوعين من الجرائم، هما الاعتداء على الأشخاص، والاعتداء على الأموال.
وأوضح سالم أن جرائم الشرف ليس لها وجود في قانون العقوبات، وأن الجرائم الوحيدة التي ترتبط به، هي التي تصنف ضمن جرائم الاعتداء على الأشخاص، وتقع مساسًا بالأعراض والأخلاق بشكل أو بآخر، ويكون دوافعها متعلقة بشرف الإنسان، أي باحترام الناس له، فالشرف يكون مجرد دافع فقط لا تدخل ضمن أركان الجرائم التي يعتد بها قانون العقوبات.
العقوبات الجنائية في مصر موحدة
وأضاف أستاذ القانون، أن العقوبات الجنائية في مصر موحدة، لكن تراعي الحكومة دوافع القتل، التي تصنف ضمن حدود السلطة التقديرية للمحكمة في تقدير العقوبة، فيمكن أن يستخدم القاضي الحد الأدنى من العقوبة؛ مراعاة للدافع وهو الحفاظ على الشرف أحيانا.
وأكد أن دوافع الشرف أو غيرها مجرد دوافع وبواعث لا تعلو أو تسمو فوق حق الإنسان في الحياة، موضحًا أن عقوبة القتل تكون بالسجن المشدد، وتصل إلى الإعدام، وفي حالة ارتكابها بدافع الشرف وإثبات ذلك، من المرجح أن تخفف المحكمة العقوبة، التي من الممكن أن تصل إلى 3 سنوات.
والجرائم، التي ترتكب بدافع الحفاظ على الشرف، تقع عادة دون وجود أدلة قوية، ولا يُعاقَب القاتل فيها كما يعاقَب القاتل المتعمد.