«فتيات خدمة العملاء» مهنة سيئة السُّمعة عبر التاريخ.. والسبب صادم
الثلاثاء 10/أغسطس/2021 - 01:40 م
كشف تقرير لموقع "لهيستوري" أن مهنة عامل تحويلة الهاتف أو السويتش أو خدمة لعملاء في عصرنا الحديث أطلت برأسها أول مرة في أبريل 1877، عندما حضر جورج دبليو كوي، وهو أحد قدامى المحاربين بالحرب الأهلية، والذي كان يعمل وقتها بمجال التلغراف اللاسلكي، محاضرة ألقاها مخترع الهاتف ألكسندر جراهام بل (1847- 1922).
وخلال هذه المحاضرة، استعرض بل كيف تمكن من التواصل صوتيًّا مع اثنين من زملائه، أحدهما على بعد 27 ميلًا، والآخر على بعد 38 ميلًا باستخدام الهاتف والذي حصل على براءة اختراعه في 7 مارس 1876.
إبرام صفقة
بعدها أبرم كوى صفقة مع بل لإنشاء أول «لوحة مفاتيح مركزية» لربط الخطوط الهاتفية في الولايات المتحدة. وذلك في «نيو هافن» بولاية كونيتيكت الأمريكية عام 1878، وكان إجمالي عدد العملاء وقتها 21، يتركز أغلبهم بقطاع الشرطة المحلية، ومكتب البريد، ومخزن الأدوية.
ولتوفير العمالة اللازمة لمشروعه المستحدث، بدأ كوي في توظيف شباب ويافعين من الذكور الذين سبق لهم العمل بمكاتب التلغراف، لكن مع بدايات القرن العشرين، سيطر العنصر النسائي على المجال، وأصبح نساء «السويتش» قوة جبارة يقاتلون من أجل تحصيل حقوقهن، وإنشاء نقابة لمهنتهن التي ما عادت مستحدثة، وخاصة بعد لعبهن دورًا محوريًّا في مجريات الحرب العالمية الأولى.
لماذا رحل الذكور؟
لكن لماذا سمح الذكور للجنس اللطيف بإزاحتهم من المجال الجديد؟ تجيب ماريون ماي في كتابها «الهاتف في عالم متغير» والصادر عام 1941: إن التجربة أثبتت أن عمل شباب صغار ويافعين في هذه المهنة، كشف النواقص المعتادة لهذه السن المبكرة من التشتت بسهولة؛ مما ينجم عنه إهمال بعض العملاء، فضلًا عن ميلهم إلى الخشونة في الرد والتعامل، فكان اللجوء للفتيات، بحثًا عن خصال الكياسة والصبر والانتباه لأدق تفاصيل العمل.
لكن المشكلة كانت في نظرة المجتمع؛ ما اضطر أصحاب الشركات إلى التجول من منزل إلى آخر فى محاولة مباشرة لإقناع الآباء بأن الاشتغال في «السويتش» يعتبر عملًا محترمًا لبناتهم، خاصة مع زيادة الضغط على هذه الشركات، فقد بلغ عدد عاملي تحويل خطوط الهواتف 88 ألفًا عام 1910.
مهمة مستحيلة أحيانًا
من أعجب القواعد التي كان يخضع لها عمال «السويتش» التزامهم بارتداء أحذية التزلج لتيسير سرعة حركتهم وسهولة عملهم في المراكز التي تشهد ازدحامًا ملحوظًا. وتلتزم الفتيات بارتداء فستان أسود طويل، مع الامتناع عن ارتداء الحلي.
كما أن عمل فتيات «السويتش» كان يخضع لمتابعة وتصنت ما يعرف بـ«مجلس الاستماع»، ودفعت هذه الأشكال الإدارية الصارمة سلطات التحقيق في قضية انتحار عاملة الهاتف آنا بيرن في سان فرانسيسكو عام 1899، إلى تحميل شركتها المسئولية. وتم تعليل ذلك الرأي بأن خضوع فتيات الهاتف إلى التجسس المستمر، فضلًا عن إنهاكهن في ساعات عمل طويلة، وتعريضهن للعقاب إزاء أبسط الأخطاء، يدفع بعضهن للشعور باليأس والانتحار.
ونقلت وقتها صحيفة «سان فرانسيسكو إيجزامنر» عن أحد أقدم العاملات فى مجال تحويل المكالمات شهادتها؛ حيث قالت: «لا يسمح لنا بالتحدث لبعضنا البعض، ولو حتى بصوت خافت، وذلك خلال دورية عمل تستمر تسع ساعات، كما لا يحق لنا الابتسام أو الضحك بصوت واضح»، موضحة أنها أجبرت في إحدى المرات على العمل 10 ساعات إضافية وبدون أجر؛ لأنها ضحكت.
وفي كتابهما التوثيقي «حدث ذات هاتف» 1994، تكشف إلين سترين وأميلي جاوثمي، أن الشركات حاولت في كثير من الأحيان التحكم في الحياة الشخصية لعاملات الهاتف العاملين. فمن بين القواعد غير المكتوبة، عدم تحبيذ الزواج بالنسبة لعاملات الهاتف، وأن الزواج يعني الخسارة المحتملة للوظيفة والراتب.
عاملات الهاتف يتمردن
ولكن الضغط يولد الانفجار، وهذا ما جرى في أبريل 1919، عندما غادرت 8 آلاف من عاملات الهاتف «شركة نيوإنجلاند للهواتف»؛ مما تسبب في شلل خدمات الهاتف بعدة ولايات أمريكية، لمدة خمسة أيام، لتستجيب الشركة لمطالبهن بزيادة الأجور، والحق في المفاوضة الجماعية. ويوضح التقرير أن من بين العاملات المتمردات، كان هناك مائتا عاملة سبق لهن الخدمة في الحرب العالمية الأولى، وذلك عبر وحدة عاملات الهاتف النسائية بسلاح الإشارة، واللاتى اشتهرن باسم «فتيات هالو».
وبفضلهن وغيرهن من النساء اللاتي لعبن أدوارًا محورية خلال سنوات الحرب، تراجع الرئيس وودرو ويلسون عن اعتراضه على حق المرأة في التصويت.
الثلاثينيات.. نهاية الخط
مع حلول الثلاثينيات، سمحت التكنولوجيا لأصحاب المكالمة الهاتفية بالتواصل المباشر دون مساعدة عاملة الهاتف، فأدى ذلك إلى خفض القوى العاملة بشركات الهاتف، وبالتالي فقد الآلاف وظائفهم بحلول عام 1940، وسجل عدد عاملات الهاتف وقتها أقل من 200 ألف.
وفي العام الجاري، كشف مكتب الإحصاء الوطني الأمريكي عن أن عدد عاملي الهاتف لا يتجاوز 5 آلاف، مع تصنيف نحو 70 ألفًا كمشتغلين بوظائف ذات صلة، مثل العاملين في خدمة الرد، ويتوقع اختفاء نحو 20% من هذه الوظائف بحلول عام 2029.