هل المرأة المسلمة كان لها دور في الهجرة النبوية؟
الثلاثاء 10/أغسطس/2021 - 11:44 ص
ادم صالح
لعله أحد الأمور التي قد تخفى عن الكثيرين، وقد يظن البعض أن دور المرأة المسلمة في الهجرة النبوية صغير بقدر مشاركة ذات النطاقين السيدة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-، وبقتصر على توصيل المؤنة من الطعام والماء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبو بكر -رضي الله تعالى عنه -، من هنا يظل هذا التساؤال مطروحًا هل المرأة المسلمة دور في الهجرة النبوية ؟، للمضي قدمًا ومواصلة دورها.
هل المرأة المسلمة دور في الهجرة النبوية
ورد أن الهجرة النبوية أهم حدث فى تاريخ الإسلام، لذلك أرخ المسلمون به لأيامهم، وكل من أسهم فى نجاحها سجل له التاريخ دوره رجلا كان أو امرأة.. ولم يخل ذلك الحدث التاريخى العظيم من دور بارز للمرأة المسلمة تشرف به نساء الدنيا على مر العصور.
وعن الدور الذي أدته المرأة المسلمة فى الهجرة النبوية، جاء أن المرأة قامت بدور مهم في الهجرة، عن طريق هجرة بعض النساء مع أزواجهن الى الحبشة أو الى المدينة، أو المشاركة فى إنجاح الهجرة النبوية لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، من مكة الى المدينة، والمرأة المسلمة أثناء عطائها وتضحياتها فى الهجرة استلهمت هذا النفس القدسى الذى حل فى السيدة هاجر عليها السلام، التي جعل الله لها من اسمها نصيبا، وكانت هجرتها الى الموضع الذى وصف بأنه غير ذى زرع، وكانت عليها السلام نموذجا وقدوة لكل نساء العالمين.
لو نظرنا بعمق لحادث الهجرة لوجدنا لكل من السيدة أسماء بنت أبى بكر والسيدة عائشة رضى الله عنهما دورا بارزا، فهما من أوائل من علموا ببدء رحلة الهجرة والفرار إلى الله والخروج من مكة الى المدينة، فلم يتعلقا بالوالد أو الزوج، بل كان موقفهما الثبات، ليصرفا عيون قريش بعض الوقت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فمكوثهما فى مكة جعل المشركين يتلجلجون بعض الشيء، فمحمد صلى الله عليه وسلم لن يخرج بدون صاحبه، وصاحبه لن يخرج ويترك بناته، مما أكسب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بعض الوقت قبل أن تبدأ رحلة البحث عنهما لقتلهما.
وعندما أدرك القوم خروج النبى صلوات الله عليه وصاحبه جاء نفر من المشركين وفيهم أبوجهل إلى دار أبو بكر فخرجت أسماء رضى الله عنها إليهم فسألوها: أين أبوك؟ فقالت: والله لا أدري، فرفع أبو جهل يده فلطمها على خدها لطمة طرحت قرطها (الحلق)، لأنه ضربها بشدة، فاحتملت وصبرت ولم تبح بالسر، لأنها اؤتمنت وما كانت لتخون الأمانة، كان هذا المشهد أمام السيدة عائشة رضى الله عنها فأصابها ألم نفسى وخوف من بطش القوم بها ومع ذلك كانت بقوة أسماء رغم أنها كانت لم تتخط العاشرة من عمرها.
ويعظم دور أسماء فى أنها رضى الله عنها كان ببطنها جنين، ورغم ذلك كانت تحمل الماء والزاد وتسير قرابة ثلاثة أميال فى جوف الليل بين الصخر والرمل متخفية حذرة مترقبة حتى لا تراها العيون وهى وحدها ليس معها أنيس أو دليل، اللهم إلا نور الإيمان وعلاقتها بالله. هذا بالإضافة إلى عدد من النساء الخوالد اللائى جاهدن جهادا عظيما لنجاح الهجرة وإقامة دولة الحق والعدل فى المدينة، وما فعلته سمية أم عمار ليس عنا ببعيد.
جاء أن المرأة كان لها دور عظيم فى الهجرة النبوية، طفلة وشابة وكهلة، فمثلا: أسماء بنت أبى بكر الفتاة التى قامت بالمهمة المكلفة بها دون تكاسل أو ضجر على أتم وجه رغم ظروفها الطبيعية كأنثى وظروفها الصحية فى الحمل وصغر سنها ومخاطر المهمة الطبيعية فى الجبال ومخاطرها السياسية والإنسانية علينا أن نتعلم منها الجلد والتحمل وقوة المواجهة وتحمل الأمانة وكتمان السر.
وكذلك السيدة رقيقة بنت صيفى المرأة العجوز التى قاربت المائة من عمرها ورغم كبر سنها وعدم تكليفها بمهمة إلا أنها قامت من تلقاء نفسها بما رأته فى صالح دينها ودنياها وهى العجوز التى توشك على المفارقة للدنيا كلها فقامت تحذر النبى من قريش ومؤامرتهم عليه ليقتلوه فكان أن جعل عليا ابن عمه ينام فى فراشه، وهذه رسالة لنساء اليوم تتعلم منها أن المرأة تظل تعمل وتقوم بدورها وتخدم دينها مهما بلغ بها العمر. وهناك أدوار لا تنسى لكل من: أم سلمة وأسماء بنت عميس وأم منيع الأنصارية ونسيبة بنت كعب فقد مهدن للدعوة فى المدينة قبل وصول النبى وهيأن المجتمع اليثربى لاستقباله والاحتفاء به، المرأة لم يمنعها حمل ولا كبر سن ولا صغر سن ولا جمال ولا شباب ولا أى شيء عن خدمة دينها وكل واحد قدمت ما فى وسعها.
إن كل امرأة ـ بل كل المجتمع ــ يحتاج إلى الهجرة الواجبة علينا الآن.. تلك الهجرة الواجبة على كل مسلم ومسلمة وهى الهجرة الدائمة التى لا تنقطع فى كل زمان ومكان، إذ نحتاج إلي هجرة الذنوب والمعاصى المأمور بها فى قوله تعالى «والرجز فاهجر»، وهى الهدف الأسمى الذى هاجر النبى صلى الله عليه وسلم من أجله ببناء مجتمع مسلم صالح يقوم على التقوى وعبادة الله ومحاسبة النفس ومراقبة الله وأداء الواجبات قبل البحث عن الحقوق، واجتناب الذنوب والمعاصى بالتخلى عن الرذائل قبل التحلى بالفضائل.. فنحن فى زمن نحتاج فيه إلى هجرة دائمة ، ولننصت لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع: (ألا أخبركم بالمؤمن؟ المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب).
إذا كان زمن الهجرة قد انتهى بالفتح الإسلامي، لكن هناك نوعا آخر من الهجرة نحتاجه دائما ..فما أحوج نساء المسلمين ـ بل ورجالهم ـ إلى هجرة بذاءات اللسان وآفاته وموبقاته من الكذب والسب والقذف والفاحش من القول والغيبة والنميمة والغش والاتهام بالباطل واللعن والطعن والاحتيال ونكران الجميل وإفشاء الأسرار والنفاق والتقعر فى الكلام والجدال والمراء الذى ساد بعض مجتمعاتنا الإسلامية.، نحتاج إلى هجرة آفات اليد وآثامها والنقص من المكاييل والموازين والغش والتدليس والخداع، وكذا الإشارة باليد بالتهديد والقبائح.. نحتاج إلى هجرة موبقات الأقدام وذنوبها من السعى فى الهدم والتخريب والتجسس والذهاب إلى أماكن المجون والفساد والسعى للوقيعة بين الناس، ونحتاج إلى هجرة آثام الآذان من التجسس والإنصات إلى كل ساخر وناقد وفاسد وحاقد على مجتمعنا ووطننا وكذا الإنصات إلى الشائعات وترويجها من الساعين فى الوقيعة بين أبناء الوطن وفصائله.. وإذا هجرنا كل تلك الرذائل وتخلينا عنها فعلينا أن نتحلى بعكسها من الفضائل الواجبة.
متى كان موعد الهجرة النبوية
ورد أن هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت في شهر ربيع الأول ولم تكن في «المُحرم»، والمصريين يحتفلون في شهر المحرم ببداية التقويم الهجري الجديد، ويضمون اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الاحتفالات بقولهم «الهجرة النبوية» تعظيمًا له لأنه عليه -الصلاة والسلام- هو من قام بالهجرة، وأول من أرخ التاريخ الهجري سيدنا عمر بن الخطاب، وجعل هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة في 12 ربيع الأول، مرجعًا لأول سنة فيه، وهذا هو سبب تسميته التقويم الهجري.
ورد أن التقويم الهجري مركز أساسًا على الميقات القمري الذي أمر الله تعالى في القرآن باتباعه، كما قال تعالى «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، سورة التوبة: 36، والأشهر الأربعة الحرم هي أشهر قمرية «رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم»، ولأن الله تعالى نعتها بالدين القيم فقد حرص أئمة المسلمين منذ بداية الأمة أن لا يعملوا إلا به، رغم أن التقويم أنشئ في عهد المسلمين إلاّ أن أسماء الأشهر والتقويم القمري كان تستخدم منذ أيام الجاهلية، أول يوم هذا التقويم الجمعة 1 محرم سنة 1ه.
ورد أن المسلمين يحتفلون في محرم بالعام الهجري وليس الهجرة، حيث إن الهجرة النبوية تحولت لمعنى وليس حدثًا، ونحتفل هنا بالمعنى، فالأنبياء هاجروا جميعا قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
توقيت معرفة النبي بأمر الهجرة
ورد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) عرف بأمر هجرته إلى المدينة قبلها بزمن بعيد، حيث علم بها منذ أول إطلالة للوحي وأول آية "اقرأ" يعود مرتعدًا للسيدة خديجة وتذهب به إلى ورقة بن نوفل ويقول له "هذا هو الناموس الذي نزله الله على موسى، ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك"، هذا منذ زمن بعيد سبق الهجرة"، منوهًا بأنه - صلى الله عليه وسلم- كان يعلم من الوهلة الأولى أنه سيُهاجر حين كانت الإطلالة الأولى للوحي.
ورد أنه ستمر الأيام والأعوام ويأتي الوقت الذي يستطلع فيه الناس في أرض الهجرة بصيص النور، ويهرولون في بيعة العقبة الأولى والثانية، وتمضي الأعوام ويأتي وقت الهجرة، ويدعو الرسول (صلى الله عليه وسلم) المسلمين عندما أطلعه الله على دار هجرته وأراه إياها في المنام، فأخبرهم -صلى الله عليه وسلم-: أريت دار هجرتكم.. أرض ذات نخل فمن شاء أن يخرج فليخرج، وليهاجر"، هذا يعني وجود إعداد من رب العزة لهذه الهجرة إلى يثرب التي سُميت بعد ذلك "الطيبة" و"المدينة المنورة برسول الله (صلى الله عليه وسلم)
الحكمة من هجرة النبي إلى المدينة
كان في وسع الله وهو على كل شيء قدير، أن ينقل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة كما نقله في ليلة الإسراء والمعراج، ولكن لله حكمة في ذلك، وهي أن يكون أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرواد والمصلحون والدعاة والعلماء على سُنته ومنواله في بذل أقصى ما في الوسع الإنساني، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل، ليبذلوا ما شاء الله من معاناة وتحمل فى نُصرة هذا الدين ، وليتعلم الأجيال عبر عصور الحياة وإلى أن يرث الأرض ومن عليها، أن المصلحين والدعاة والعلماء يجب عليهم أن يبذلوا أقصى ما في وسعهم خدمة لهذا الدين، فشاء الله سبحانه وتعالى أن تكون الهجرة على هذا النحو المحفوف بالمخاطر المهولة".
سبب امتناع الكفار عن اقتحام بيت النبي
الكفار الذين تجمعوا من كل قبيلة وذهبوا لقتل النبي-صلى الله عليه وسلم- يوم الهجرة، لم يقتحموا عليه داره، لأن لديهم بقايا من المروءة العربية، وخروج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من بين صفوف الكفار يوم الهجرة، هو أحد معجزاته أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة، حيث خرج من بين صفوف الكافرين الذين أتوا من كل قبيلة ليقتلوه، فمر بين صفوفهم ورمى على رؤسهم التراب، فلما دخلوا فلم يجدوه، ووجدوا على رؤسهم التراب، عرفوا أنه مر من بينهم.
وعندما سئلوا عن سبب انتظارهم حتى طلع النهار وخرج من بين صفوفهم، وعن المانع من اقتحامهم عليه حجرته، وقد جاؤوا لقتله، لما لديهم من بقايا مروءة العرب هو ما منعهم من الاقتحام، فقالوا أنهم حاولوا أن يقتحموا وحاولوا الدخول، ولكنهم سمعوا صوت النسوة، فقالوا يا للعار أيُقال علينا تسورنا الحيطان على بنات العم في خدورهن، وهتكنا ستر حرمنا، لافتًا إلى أنهم كانوا كفرة ومشركين، وذهبوا لارتكاب أبشع جريمة على الأرض باغتيال أطهر الخلق ، لكن لديهم بقايا من المروءة العربية، وحمية تحمي المرأة وتصونها، والتي هي مفقودة في هذا العصر الذي يُطلق عليه عصر التنوير.