الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

نجلاء محفوظ تكتب : حواء وآدم والتنمر

السبت 17/يوليه/2021 - 05:35 م
نجلاء محفوظ
نجلاء محفوظ


دخلت كلمة التنمر القاموس اليومي لمعظم الناس؛ خاصة حواء، التتي يبدو أنها تعاني أكثر من التنمر وتشكو منه كثيرا ومن مختلف الأعمار؛ بدءا بالطفلة الصغيرة وحتى الجدات..

لا يعود ذلك لتعرضها له أكثر من آدم -كما قد يتبادر للذهن- ولكن لأنها ومع الأسف تهتم أكثر منه بكيف يراها الأخرون؛ ونتأسف لذلك لأنه أمر "يكلفها" الكثير من الطاقات النفسية "المهدرة" بحثا عن تكوين صورتها الرائعة في "نظر" الأخرين؛ وهو ما يجعلها أكثر غضبا من الرجل عندما تتعرض للتنمر؛ وهذا لا ينفي تضايق آدم من التنمر ..

من المهم أن نسعى جميعا - ومن الجنسين - لتحسين صورتنا أمام أنفسنا؛ وأن نكون أفضل بكل تفاصيل الحياة-ما استطعنا- ليس للفوز باعجاب الآخرين أو "للنجاة" من التنمر ومن الكلمات الجارحة؛ ولكن لأننا "نستحق" ذلك ولإسعاد أنفسنا أولا وأخيرا؛ فمن "يلهث" لرضا الناس عنه وعن مظهره وتصرفاته؛ يعش أسيرا لهم ويصنع معاناته بيديه.

وهذا لا يعني عدم الإلتفات لانتقادات الناس والاستفادة منها؛ فقد تأتينا "العلامات" التي تنبهنا لضرورة المسارعة بالتوقف عن شيء يضرنا أو المسارعة بفعل ما يفيدنا في صورة "تنمر"؛ كأن يبدي أحدا ملحوظة نراها "سخيفة" عن زيادة بالوزن أو تراجع بالنجاح أو أسلوب غير لطيف بالكلام أو حتى بتناول الطعام؛ ولا ننكر الضيق "المشروع" لبعض الوقت؛ فلا أحد يحب أن "يكتشف" في نفسه ما لا يرضيه عنها، ولا أحد يحب أن يراه الناس بصورة غير جميلة..

من الذكاء التوقف عن "تغذية" الشعور بالضيق وطرده بأسرع وقت ثم "الاستفادة" من التنبيه ووضع الخطط للخلاص من المشكلة بدلا من إيذاء النفس بالاستسلام للتألم وربما مقاطعة أو النفور ممن أبدى الملحوظة.

ننبه لأن معظم ما تطلق عليه حواء -خاصة- تنمرا لا يكون كذلك؛ ولكنها الحساسية الزائدة والرغبة الزائدة لأن تكون محط الاعجاب؛ فلا أحد منا بلا عيوب ولا أحد لا يمكنه أن يكون أفضل بالمظهر وبالجوهر أيضا.

ونسبة كبيرة مما تطلق عليه حواء تنمرا؛ متوهمة أو مبالغ بالوصف؛ فليس كل انتقاد تنمر، وليس كل ملحوظة تهدف للإنتقاص من حواء والتقليل من شأنها أو إثبات أنها أقل من صاحب أو صاحبة الكلام..

تعاني كثير من بنات حواء من التنمر النسائي وقسوته المؤلمة؛ وهي كذلك فلا أحد سوى حواء يعرف نقاط ضعف بنات جنسها؛ وتجيد وقتما ترغب ضرب من تشاء بهذه النقاط؛ فنجد من تعاير بنت بتأخر زواجها أو سيدة بطلاقها أو بعدم إنجابها وأحيانا لأنها أنجبت بنات ولم تنجب أولاد!!

التنمر في جوهره عنف "وتعمد" إساءة؛ لذا يجب تربية الجنسين -وخاصة البنات- منذ صغرهن إلى التنبه لأن معظم ما يرونه تنمرا هو كلمات لم يقصد أصحابها الإساءة؛ وربما كانت نصيحة لم يحسنوا قولها أو كلام بحسن نية أو برغبة "مخلصة" لمساعدتها لتصحح خطأ ما.

لاحظنا أن كثير من الأهل باتوا يتعاملوا مع معظم محاولات تصحيح أخطاء أطفالهم من المدرسين ومن المدربين بالنادي تمس سلوكهم أو مدى إالترامهم بالتعليم أو بالرياضة وكأنها تنمر ومساس بكرامة أطفالهم من الجنسين وننبه "لخطورة" ذلك؛ فهذه كارثة أن ينشأ الطفل -من الجنسين- وهو يتوقع معاملة خاصة من الجميع وكأنه نبتة في "صوبة" زراعية محاطة بعوامل صناعية لحمايتها من كل أذى ولتوفير المناخ "المثالي" لها لتنمو وقد علمتنا الحياة أن لا وجود لهذا المناخ بالحياة وأن من يتوقعه وينتظره يهزم نفسه ويصنع تراجعه بالحياة بيديه، وصدق القائل الإنسان المفاجأ نصف مهزوم..

ومن يعرف ضرورة وجود مضايقات وصعوبات وسخافات بالحياة يكون أكثر استعدادا لبذل الجهد للانتصار عليها..

ولا نوصي بتقبل الإساءات المتعمدة والتنمر أو حتى غير المتعمدة؛ فهذا أمر مرفوض ويمس بالكرامة ويحرض صغار النفوس على التمادي؛ ولكننا نرفض المبالغة بوصف كل شيء بالتنمر وحتى إن كان تنمرا فلا نقبله ولا نتعامل معه كإهانة لنا؛ فالمتنمر شخص لديه مشكلة مع من يتنمر عليه وهو ضعيف وغير شجاع ولا يستطيع مواجهته بالحجة وبالمنطق ويعرف ذلك؛ لذا يستخدم هذا الأسلوب غير المحترم؛ ومهم تجنب "الإنزلاق" لأسلوبه ومبادلته التنمر أو اللجوء للعنف اللفظي أو الجسدي أو التفتيش عن نقاط ضعفه "وإيلامه" بها؛ فذلك ينتقص ممن يفعله ويحوله لمتنمر؛ ومن غير اللائق أن ننتقد شيئا ونفعله..

والأفضل والأذكى "ردع" المتنمر بأقل كلمات والتماسك قدر الاستطاعة وضبط النفس والتكلم بهدوء ومنع إظهار الغضب الزائد؛ حتى لا يستغل المتنمر ذلك؛ وكلما أراد مضايقتنا لجأ للتنمر؛ بينما إدعاء اللامبالاة مع الرد الحازم سيجعله يتردد قبل تكراره.

وصدق القائل: لو ابتسم المهزوم لأفقد المنتصر لذة الفوز..

مع ملاحظة رفضنا لتوهم أننا في معركة مع المتنمر وأننا تعرضنا للهزيمة؛ فهذا مجرد مثال فقط، والتنمر مثل تراب ألقاه أحدهم علينا؛ فيجب المسارعة بالتخلص من آثاره والتوقف عن إستنشاقه؛ أي تذكره والتفكير فيه والكلام عنه؛ فمعظم التعليقات "ترسخ" الضيق للمجاملة ولنقص الخبرات..
________________
الأهرام

ads