مشاكل الحياة اليومية تسبب «توتر» للمصريين.. وخبراء يضعون روشتة علمية لعلاج آثاره
جمال حماد: التوتر الناجم عن مشاكل العمل يحتاج إصلاح منظومتى التعليم والصحة
أحمد فخري: قراءة القصص الشيقة قبل النوم تساعد على التخلص من التوترات والمشاكل
نادية جمال: أنصح بالبحث عن الضحك بمشاهدة أفلام كوميدية والابتعاد عن الدراما والدم
يواجه المصريون مشاكل حياتية يومية، فى العمل وخارجه تؤثر فيهم بالسلب وتصيبهم بالتوتر، ويرجع ذلك إلى ضغوط أعباء الحياة عليهم، وتعرضهم لتلوث سمعى وبصرى أثناء ركوبهم المواصلات، ومعاناتهم من الزحام الشديد في ساعات الذروة، ومتطلبات الأبناء ومشاكلهم التى لا تنتهى في ظل مناخ ترتفع فيه أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق، وهذا التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية يحتاج لروشتة علمية واضحة لمواجهته والتخلص منه، حتى لا ينقلب إلا مرض نفسى خطير يهدد مستقبل من يصاب به ومستقبل أسرته.
واستطلعت "هيرنيوز"، بدافع إيمانها العميق بمدى خطورة هذه المشكلة على المواطن والدولة والمجتمع، آراء الخبراء المتخصصين حول تلك الروشتة العلمية للوقاية من هذا التوتر.
بدايةً، يقول الدكتور جمال حماد أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب، جامعة المنوفية، إن مشاكل الحياة اليومية فى مصر أصبحت أشبه بمطحنة تطحن البشر، وخاصة محدودى الدخل، وبشكل يصيب المواطنين بالتوتر وانعكاساته السلبية على النفس، ويرجع ذلك إلى عيوب ومسالب مسار التحول من الاشتراكية إلى الرأسمالية، بدءا من الانفتاح الاقتصادى فى عام 1974، مرورا بقبول شروط صندوق النقد الدولى فى عام 1982، وانتهاء بقبوله شروطه الأخيرة فى 2015، وتتمثل تلك المسالب فى أننا أصبحنا مجتمع مادى بحت قائم على المكسب والخسارة، تسوده ثقافة استهلاكية فى القيم، بما فيها قيم الحق والخير والجمال، ويستدل على ذلك بشيوع الفساد المالى والأخلاقى فى الدول العربية، وباحتلال مصر مرتبة متقدمة فى الفساد القيمى والأخلاقى.
ويضيف "حماد"، إن ما يحدث للمصريين من مشاكل حياتية يومية، تصيب الإنسان بالقلق والتوتر، كالمشاكل الناجمة عن الأعباء الأسرية وتلك التى يوجهها فى محيطه المجتمعى، واضطراره للعمل فى أكثر من وظيفة، والتعرض للتلوث السمعى والبصرى ولاختناق الزحام المرورى، فضلا عن التحرش، أثناء الذهاب والإياب من العمل يوميا، كلها مشاكل يرجع السبب فيه إلى أن القيم المادية أصبحت هى القيم الحقيقية التى تحدد سلوكيات وتصرفات وتطلعات المواطنين فى مصر والعديد من الدول العربية.
ويستشهد"حماد" على مصداقية ذلك، بمقولة " إذا أردت أن تعرف مجتمعا فعليك أن تتعرف على الفن والأخلاق فيه"، ويشير فى هذا الصدد إلى أن المفكر الاقتصادى الكبير جلال أمين له مؤلفات توضح بالتفصيل انعكاس التحول الاقتصادى على الحياة المجتمعية فى مصر.
إصلاح التعليم والصحة
ويؤكد "حماد "، أن أى روشتة علمية لعلاج التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية فى مصر، بحيث تكون روشتة صالحة لعلاجه على المستوى القومى، لابد وأن يكون أول بند فيها، هو إصلاح منظومتى التعليم والصحة، بحيث يضمن كل مواطن تعليم لأبنائه بجودة عالية، وعلاج له ولأسرته بسعر مناسب، ورعاية صحية لغير القادرين، ويشير إلى ضرورة أن يكون التعليم كله فى مصر تحت مظلة الدولة، مثلما هو موجود فى بريطانيا، على الرغم من أنها إحدى قلاع الرأسمالية فى العالم.
ومن جهته يقول الدكتور أحمد فخرى، أستاذ علم النفس وتعديل السلوك، بجامعة عين شمس، إن الإنسان يوميا يمر بمشاكل في البيت والطريق والعمل، وعندما تزداد حدتها، فإنها تجعله يعانى من سلسلة من الصراعات النفسية، يقاومها وينجح في التخلص منها، وكل شخص لديه اتزان نفسى، يقاومها وينجح في التخلص منها، وكل شخص ليس لديه هذا الاتزان يستسلم لها ويقع في دائرة المرض النفسى، ويأخذ هذا المرض أشكال متعددة منها، الاكتئاب والانسحاب الاجتماعى والأداء المنخفض للأعمال وعسر المزاج ومايعرف بالاضطرابات "النفس جسمانية".
روشتة علمية لمواجهة الضغوط
ويتفق "فخرى" مع "حماد" في ضرورة اهتمام الدولة بالتعليم والصحة لعلاج التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية على المستوى القومى، وينصح باتباع روشتة علمية لمواجهة ضغوط العمل والحياة، تتضمن بنود عديدة، منها 1- الاسترخاء والتنفس العميق لمدة 5 دقائق أثناء العمل يوميا، يحصل بموجبها العامل على فترة راحة من الأعمال الوظيفية 2- الحصول على شحنة نفسية إيجابية من وقت لآخر، وذلك بقضاء إجازة ترفيهية في أماكن مفتوحة لاستنشاق هواء نقى في حدائق وأماكن خضراء، 3- تغيير الروتين اليومى الخاص، كالمشى للعمل بدلا من الركوب له، أو الذهاب للعمل عن طريق أخر، أو بوسيلة أخرى، 4- التحايل علي بيئة العمل الصعبة، كأن يضع الموظف على مكتبه، أو في حجرة العمل، زهرية ورد، أو زرع أخضر، وذلك لتخفيف ضغوط العمل، بالإضافة إلى إمكانية سماع موسيقى هادئة، لأن سماعها يساعد على الاسترخاء والصفاء مع النفس.
ويتمثل البند الخامس في روشتة الدكتور أحمد فخرى، فى طريقة النوم، حيث يقول: مهم جدًا أن يدخل الإنسان قبل النوم في حالة من الاسترخاء بقراءة موضوعات وقصص شيقة، والبعد عن الأفكار السيئة في فترة ماقبل النوم، وتذكر المواقف والأحداث الإيجابية والمفرحة التى واجهها في حياتها، والنأى عن التفكير في المواقف والأحداث السيئة.
تدريب العقل على التخيل
وينصح "فخرى" بتدريب العقل على التخيل لمواجهة التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية، بحيث يتخيل مناظر جميلة وجذابة، وخاصة قبل النوم وأثناء فترة الراحة من العمل والاسترخاء، وذلك لاستعادة الحالة النفسية الجيدة والصفاء الداخلى للنفس، ويدخل في هذا البند ضرورة مخالطة الإنسان لناس الناس إيجابيين وناجحين ومتفائلين، لأن مخالطتهم تساعده على الحصول على طاقة إيجابية وتبعد عنه الطاقة السلبية، وذلك فيما يعرف علميا بـ "بالعدوى المجتمعية".
ويؤكد "فخرى" في روشته العلمية، على ضرورة مواجهة الضغوط في وقتها، وعدم تأجيل التعامل معها، وينصح بمواجهة المشاكل اليومية أول بأول، مع التركيز في مواجهتها على البدائل الإيجابية، ويشدد على أهمية عدم ترك المشاكل لتتراكم، لأن تراكمها بدون حلول يسبب ما يعرف بأمراض الشدة والضغط.
النوم هو الحل
أما الدكتورة نادية جمال الدين، استشارى علاقات أسرية ومعالج نفسي، فتقول إن التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية في مصر أصبح مشكلة في كل بيت بسبب طغيان القيم المادية على غيرها من القيم، وتنصح بالنوم مدة كافية قبل الذهاب للعمل، وبتهيئة النفس للنزول للعمل في ظل مناخ يضفى طاقة إيجابية، كالابتسامة التى تغير نفوس الآخرين وتحولهم من طاقة سلبية تضرك إلى طاقة إيجابية تفيدك، وتشدد على أهمية لعب الرياضة وأداء لتمرينات الرياضية، ولو لمدة 10 دقائق يوميا، لأنها تجعل الجسم يفرز الأندورفين الذى يخفف التوتر العصبى والنفسى.
وتنصح "نادية" الموظفين والعاملين بتجنب الدخول في مشاكل أثناء العمل، ومحاولة حلها بالحوار وبأسلوب مؤدب، فهذا من وجهة نظرها هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع المدير "السئيل"، لكون التعامل الخشن والعنيف معه يزيد المشاكل ويعقدها، وبالتالى يزيد من درجة التوتر والقلق.
ويمكن مواجهة التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية، وفقا للدكتورة نادية جمال الدين، بالمواظبة على أداء الصلاة وقراءة القرآن الكريم، والانخراط في زيارات اجتماعية من باب صلة الرحم، ومع أشخاص غرباء إيجابيين، وتركيز العقل والانتباه على كل شىء جميل في الحياة،، والنأى بالتفكير عن الأشياء السيئة، واستبدال أهداف لم تتحقق بأخرى قابلة للتحقق، كتركيز العقل، مثلا، على هدف تحقيق مستقبل أفضل للأبناء، لكى يحققوا مالم يستطع الأب تحقيقه.
استغلال الإجازة
وتنصح "نادية" كل العاملين في مصر، باستغلال يوم الإجازة في الحصول على طاقة إيجابية تخفف التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية، وذلك بالخروج مع أسرته لقضاء وقت أفضل خارج البيت، يضفى عليه وعلى أسرته السعادة، وتهمس في أذن من يعمل في يوم إجازته الأسبوعية أو السنوية، "أنت تدمر نفسيتك وتجنى على نفسك دون أن تدرى".
وتضع نادية جمال الدين يدها على نقطة غاية في الأهمية، وهى مشكلة وجود أزواج عاطلين عن العمل وزوجاتهم تعمل، بسبب ظروف ليس لهم يد فيها، كإغلاق المصانع التى كانوا يعملون بها، وتنصح الزوجات بأن لا يهمشن أزواجهن وبأن يخففن التوتر عنهم بإشعارهم بأن المسقبل أفضل، وبأنهم هم السبب في استمرارهن في عملهن، ومنحهم الراتب الشهرى، لإشعارهم بأنهم هم الرجال وهم القوامون في بيوتهم مهما تبدلت الظروف.
البحث عن الضحك
كما تنصح بالبحث عن الضحك بمشاهدة أفلام كوميدية والابتعاد عن أفلام الدراما والدم، وبطلب مساعدة الأخرين، ودون أي حرج عند الفشل في حل المشاكل، وبعدم لوم النفس على الإخفاق والفشل في الحياة، بمعنى أن يكون الإنسان متصالحًا ومتسامحًا مع نفسه، وكذلك مع الآخرين، كما تنصح بالصمت عند الغضب والتحلى دائمًا بالأمل في فرص أخرى وأنشطة.
وتختتم "نادية" حديثها بقولها:" نحن دائما نقول للذى يعانى من التوتر الناجم عن مشاكل الحياة اليومية، تحدث مع نفسك قبل وبعد الذهاب للعمل بحديث إيجابى، وشجع نفسك دائما بكلمات إيجابية، مثل (سأحقق، سأقاوم، سأقدر )، فهذه الكلمات تحفزنا لمواجهة الضغوط التى نمر بها، وتساعدنا بالفعل على التخلص منها، وفى حالة شعور الإنسان بمضاعفات كالإصابة بمرض نفسى فإنه يكون بحاجة إلى مساعدة خارجية، أى الذهاب إلى الطبيب المختص".