عاشقات الشرق.. كاترين شاريو: الرواية سفير العالم الإسلامي لدى الغرب
الأحد 28/فبراير/2021 - 04:03 م
إسلام علام
نرصد، اليوم عاشقة جديدة في سلسلتنا «عاشقات الشرق»، حيث وقعت في غرام اللغة العربية، وسبحت في علومها وآدابها حتى أصبحت مترجمتها في بلاد ما وراء البحر، فرنسا.
اختارت المترجمة الفرنسية، كاترين شاريو، الانتصار للثقافة العربية من خلال بوابة الترجمة بروح العاشقة، وتسبقها في ذلك، قدرتها الخاصة على الإنصات والمراقبة لتحولات معالم هذه الثقافة، الغنية والمتجددة، ولقد شغلت كاترين بال مثقفي العرب وأقلامهم من المحيط للخليج في الشهور الماضية، وذلك بعد أن أصدرت، كتابها الجديد عن حياة الكاتب والروائي العربي الشهير واسيني الأعرج، بعنوان "الظل والجذر".
ولدت كاترين في فرنسا، ولكنها عاشت في البيرو، وتونس، والمغرب، وارتبطت إقاماتها في الخارج بفترات مختلفة من حياتها، وهو أمر يستحق أن نستوضحه، فتقول عن هذه الفترة "عشت فترة من طفولتي ومراهقتي في مدينة ليما، بالبيرو، وكانت هذه المرحلة خاصة بتكويني الإنساني، حيث ستطبع البيرو، بشكل كبير، حساسيتي ورؤياي للعالم، وكذلك طريقتي في خلق علاقات مع الآخرين.
وستصير، بذلك، اللغة الإسبانية لغة القلب، حيث رافقتني، وسترافقني طيلة حياتي، كما كانت هذه اللغة أشبه بأرض للجوء حين عدت إلى فرنسا، بهدف الاستقرار لأسباب صحية، وخلال تلك الفترة، فهمت كيف يمكن أن تكون اللغة جزءًا من تاريخنا الخاص.
وذهب كاترين شاريو لتونس، في عمرها السابع والعشرين، بعد أن غادرت المستشفى لكي تلتحق بزوجها الذي كان وقتها يشتغل في المدرسة الفرنسية بقرطاج، بينما كان ابنها الأكبر يبلغ الثالثة من عمره.
وعن هذه الفترة تقول كاترين: "ارتبطت هذه الفترة بتأسيس بيت عائلي، وسيقودني هذا الانفتاح على ثقافة مختلفة، بشكل جذري، عن الثقافات التي أعرفها، إلى كثير من الاكتشافات، وكانت اللغة العربية أحد هذه الاكتشافات، دامت إقامتي في تونس ست سنوات، لتليها إقامة في المغرب، وتحديدًا في مراكش".
وتضيف: "كان تعدد الفضاءات واللغات أمرًا مهما داخل حياتي، وذلك لكون هذا التعدد أشبه بالنوافذ المفتوحة على العالم، وحينما نتحدث عن النافذة، فنحن نتحدث عن النور!.
ترجمت كاترين العديد من الأعمال الأدبية العربية إلى الفرنسية، ولكن أحيانًا يسأل المثقف والقارئ العربي ما الذي قد يضيفه ذلك إلى القارئ الأوربي؟، فتقول كاترين، أن أمنيتها أن تحمل هذه الأعمال الشيء الكثير إلى القارئ الأوروبي، وأن تخلق تلك الترجمات حوارًا عميقًا مع ثقافة، جعلها التاريخ بعيدة عنه، إن اللغة تعبر عن ثقافة ما، وكل الثقافات تحتفظ، في الوقت نفسه، بعناصر مشتركة بينها، وبكثير من الاختلافات، وهو ما يضمن التجدد المستمر للحوار، وإذا كنا نحتاج أن نتعرف إلى أنفسنا عبر الآخر، فنحن نحتاج، أيضًا، أن يفاجئنا هذا الآخر، لأننا، بهذه الطريقة، نستطيع أن نتقدم في الحياة، وأن نستمتع بها.
وعن كيفية تقييم الترجمات الأدبية من العربية للفرنسية، تقول أنه يجب معرفة الترجمة الأدبية ليست ظلًا لنص أصلي ما، كما يحدث في ترجمة وصفات الطبخ أو أدلة الاستعمال، إذ يجب على الترجمة الأدبية أن تأخذ بعين الاعتبار أسلوب الكاتب، وحساسيته، وطول جمله، وروح اللغة العربية، وروح طريقته في استعمال هذه اللغة، أيضًا.
وتضيف عن طريقتها الخاصة في ترجماتها، "يجب ألا ننسى أن الكاتب هو مبدع، وأن على المترجم أن يستطيع ولوج مختبر إبداعه، بطريقة أو بأخرى، لذلك كنت حريصة على التراسل مع الكتاب الذين كنت أترجم أعمالهم بغية التعرف إلى عاداتهم، وعلاقتهم بالكتابة، وذكرياتهم؛ بذلك تكون الترجمة لقاءً بالآخر داخل عالمه المبدع غير المألوف".
وعن العلاقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي التي توصف بأنها مأساوية، في بعض الأحيان، تقول "كاترين" عن درو الترجمة لتجاوز هذا الجانب، حيث توضح أنه يمكن للترجمة أن تلعب دورًا مهمًا، فيما يخص الإسلام، فإنه قد يخيف المجتمعات الغربية لكونه يشكل مجال خيال هذه المجتمعات، وأظن أن عدم معرفة هذا الدين هو سبب كل هذه الالتباسات التي تحكم تمثلات هؤلاء الذين لا ينتمون إلى العالم الإسلامي، وإذا كان مهما أن يتم تناول الإسلام من خلال الدراسات، فإن الرواية هي التي يمكنها أن تلعب دور سفير مجتمعات العالم الإسلامي لدى الغرب.
وتتابع: وإذا استطاعت الأعمال الروائية العربية اقتحام المشهد الأدبي الفرنكفوني بالحجم نفسه الذي يطبع حضور الرواية المكتوبة باللغة الإنجليزية، فسيكون بمقدور شريحة كبرى من المجتمع الغربي أن تمتلك معرفة أكثر حميمية بالعالم الإسلامي، وسيكون ذلك ممكنًا بفضل أعمال ترجمة هذه النصوص الروائية، بحكم استحالة وصول الأعمال المكتوبة باللغة العربية إلى رفوف مكتبات الدول الفرنكوفونية.
وقد شكلت فرنسا مأوئ لعدد كبير من كتاب وفناني العالم، ومنهم من اختار الكتابة باللغة الفرنسية، فباريس وكانت ومازالت مركزًا رحبًا للفكر والفنون ومقصدًا لعدد كبير من الكتاب الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى اللجوء، لأسباب سياسية أو ثقافية، وذلك مع توالي الحروب والثورات والانقلابات التي يعرفها العالم، كان من بينهم عربًا، وعلى رأسهم الذين ينحدرون من البلدان التي كانت مستعمرة من طرف فرنسا كالجزائر والمغرب وتونس، وتقول عنهم كاترين:"من المؤكد أن المهاجرين المثففين العرب يمنحون الكثير إلى فرنسا، أما توظيف عدد منهم للفرنسية لغة للكتابة، فلا يغير طبيعة إسهامهم، لأن هذه اللغة تشكل جزءًا من ثقافة الكثيرين منهم".
ومما يجب ذكره أنه من بين أعمال كاترين، في الترجمة من العربية للفرنسة، كتابها الأشهر "مي زيادة، القصة الحقيقية لامرأة لا تشبه الأخريات"، لواسيني الأعرج و"الغربة" لعبد الله العروي، و"الضوء الهارب" لمحمد برادة، و"أنطولوجيا الشعر المغربي"، التي أنجزتها رفقة محمد العمراوي، و"بسمتك أحلى من العلم الوطني صحبة محمد خماسي" لطه عدنان.