رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

أطباء الحضارة في قفص الاتهام.. سرقة أسورة الملك تكشف أزمة رواتب الأثريين

هير نيوز

لم تكن واقعة سرقة الأسورة الذهبية الفرعونية من داخل معمل الترميم بالمتحف المصري مجرد حادثة جنائية عابرة، بل صدمة ثقافية هزّت الرأي العام وأعادت إلى الواجهة أسئلة شائكة حول أمن المتاحف وأوضاع القائمين على صيانة كنوز الحضارة المصرية.

فقد انتهت الأسورة – التي كانت تحمل قيمة أثرية فريدة – نهاية مأساوية بعد أن جرى صهرها داخل ورشة صاغة، لتختفي معها ملامحها التاريخية إلى الأبد، مكتفية بفتات مالي لا يقارن بثروتها المعنوية والعلمية.

القضية لم تفتح فقط ملف الثغرات الأمنية والإجرائية داخل المؤسسات الأثرية، بل ألقت الضوء أيضًا على الظروف المعيشية الصعبة للعاملين في مجال الترميم، الذين يصفون أنفسهم بـ"أطباء الحضارة" في مجال العمل الأثري، معتبرين أن ضعف الرواتب وغياب الحوافز الحقيقية قد يكونان من عوامل الانزلاق وراء مثل هذه الجرائم الفردية.

شهدت الساحة الأثرية المصرية خلال الأيام الأخيرة حادثة وصفتها الجهات الرسمية والرأي العام بأنها «كارثة ثقافية»: اختفاء (وسقوط في النهاية بصيغة الصهر) أسورة ذهبية فرعونية نادرة من معمل الترميم بالمتحف المصري بالقاهرة، بعدما استغلت أخصائية ترميم وصولها للمكان وسرقتها ثم باعها عبر شبكة من الوسطاء إلى ورشة مسبك حيث صهرت وفقدت قيمتها الأثرية. الحادث أثار نقاشًا واسعًا حول مدى حماية التراث، ثغرات أمن المتاحف، وآليات تجارة الآثار.

ملخص واقعة الأسورة الأخيرة (الوقائع المهمة)

البلاغ تلقاه المتحف في منتصف سبتمبر، والتحقيقات أشارت إلى أن السرقة تمت داخل «معمل الترميم» يوم 9 سبتمبر على يد أخصائية ترميم استغلت موقع عملها ثم طرحت القطعة في سوق محلي عبر وسطاء، وصولًا إلى صاحب ورشة ذهب الذي صهر القطعة مع مصوغات أخرى، ما أدى إلى ضياع قيمتها التاريخية. القيادات الأمنية ضبطت مجموعة متورطة ومصوغات ونقود وجرى إحالتهم للجهات القضائية.

كاميرات مراقبة محال الصاغة وثّقت لحظات كسر الأسورة وإخفائها قبل عملية الصهر، ما وفر دليلاً مصوراً على نهاية القطعة. تقارير صحفية دولية ومحلية نشرت لقطات ووثائق تحقيقية متعلقة بالحادث.

لماذا هذه القضية مهمة ـ الخسارة تتجاوز القيمة المادية

صهر قطعة أثرية يعني فقدان التأريخ العلمي والبيانات (بناءً على مكوناتها، خاتم السياق الأثري، والبصمات المعدنية)، فلا يمكن إعادة إنعاش «قيمة أثرية» بعد إعادة صهرها كسبائك أو مصوغات. هذا الفقدان لا يُعوَّض بالمال مهما بلغ.

التقارير أشارت إلى أن العائد المالي من بيع القطعة كان ضئيلاً مقارنة بقيمتها الأثرية.

تدني رواتب العاملين سبب رئيسي وراء حادثة سرقة الأسورة الأثرية

 

 الدكتور محمود سلام

قال الدكتور محمود سلام، مدير ترميم المخازن المتحفية الشمالية لمصر العليا، ـ في تصريحات خاصة لـ"هيرنيوز"ـ تعليقًا على واقعة سرقة الأسورة الذهبية الخاصة بالملك بسوسنس من داخل المتحف المصري، إن الحادثة شكلت صدمة للجميع داخل الوسط الأثري، نظرًا لعدم اعتياد مثل هذه الوقائع في حقل العمل الأثري، حيث يسعى جميع العاملين للحفاظ على العهدة الأثرية المسؤولة عنهم بأقصى درجات الحرص.

وأوضح أن معظم معامل الترميم غير مزودة بكاميرات مراقبة، إذ يتم إيداع القطع داخلها بعد تحرير محاضر رسمية، لتتحول العهدة من مفتش الآثار إلى أخصائي الترميم، مع إثبات كافة الإجراءات في دفاتر التحركات الرسمية. وفي حال وقوع أي سرقة، يتم تحويل الأمر إلى جهات التحقيق المختصة بوزارة الداخلية، ومن ثم عرضه على النيابة العامة.

وأشار سلام إلى أن تدني رواتب العاملين بالوزارة يمثل أحد الأسباب الرئيسية وراء هذه الحادثة، مضيفًا: "من واقع التحقيقات، تبين أن المتهمة تمر بظروف مادية صعبة، شأنها شأن الكثير من زملائنا، حيث لا يتجاوز متوسط رواتب العاملين 6000 جنيه رغم خبرات تمتد لعشرين عامًا وأكثر في واحد من أهم المجالات الحساسة."

ولفت إلى أن الأثريين سواء كانوا مفتشي آثار أو أخصائيي ترميم، يحصلون فقط على ما بين 18 إلى 38 جنيهًا كبدل مخاطر، على الرغم من تعرضهم لاستخدام مواد كيميائية خطرة أو عملهم في مناطق نائية وجبال وعرة، حيث تعرض العديد من الزملاء لحوادث سقوط وكسور مضاعفة.

"أطباء الحضارة"

وأكد سلام أن العاملين قدموا عشرات المقترحات لتحسين الأوضاع المعيشية، لـ"أطباء الحضارة"، أسوة بما هو متبع في وزارات أخرى، إلا أن طلباتهم قوبلت بالاستخفاف وظلت حبيسة الأدراج.

وأضاف: "حتى النقابات المهنية تقدمت بطلب رسمي لقسم شرطة الوايلي منذ أيام لتنظيم وقفة احتجاجية تعبيرًا عن استيائهم من تدني الرواتب وعدم حصولهم على الحد الأدنى لحياة كريمة."

ورغم ذلك، أشار إلى أن أنظمة التسجيل والحفظ داخل المتاحف والمخازن شهدت طفرة ملحوظة مؤخرًا بفضل جهود الإدارة المركزية للمخازن المتحفية، فضلًا عن وجود أنظمة مراقبة جيدة، وإن كانت لا تزال غير كافية لتأمين القطع الأثرية بالشكل الأمثل.

وختم سلام تصريحه بالتأكيد على أن ما جرى يُعد واقعة فردية لا تمثل جموع العاملين بالوزارة، قائلاً: "يعمل في الوزارة أكثر من 30 ألف موظف، جميعهم محبون للحضارة المصرية وآثارها وتراثها، ويعملون تحت ظروف صعبة وقاسية، ونطالب بإعادة النظر في رواتب المتخصصين من خلال إقرار كادر خاص وبدل مخاطر يتناسب مع طبيعة العمل وما نتعرض له من تحديات داخل المتاحف والمخازن أو المواقع الأثرية."

ضربة قاسية لسمعة المتحف وحدث غير مسبوق

وفي السياق ذاته، وصف الدكتور أحمد عامر، الخبير الأثري، واقعة سرقة إحدى القطع الأثرية النادرة من داخل معمل الترميم بالمتحف المصري بالتحرير بأنها "ضربة قاسية لسمعة المتحف وحدث غير مسبوق".

وقال عامر، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج كلام الناس على قناة MBC مصر، إن قيمة القطعة المسروقة تُقدَّر بنحو 3.5 مليون جنيه، مشيرًا إلى أنها كانت محفوظة داخل معمل الترميم، وهو الموقع الوحيد في المتحف الذي يخلو من كاميرات المراقبة.

وأوضح الخبير الأثري أن الثغرة الأمنية التي استُغلت تمثلت في خروج حقيبة الموظفة المتهمة عبر جهاز التفتيش الآلي، من دون إخضاعها للتفتيش اليدوي، الأمر الذي سهّل تهريب القطعة خارج أسوار المتحف. وأضاف أن الجريمة وقعت يوم الجمعة أو السبت الماضيين، لكنها لم تُكتشف إلا بعد مرور عدة أيام.

وأكد عامر أن طبيعة الحادث تشير إلى وجود شبهة "تشكيل عصابي" لا إلى تصرف فردي، موضحًا أن الفاعلة – وهي أخصائية ترميم – كانت تدرك القيمة الحقيقية للقطعة واستغلت موقعها الوظيفي لإتمام الجريمة. وأشار إلى أنها باعتها في البداية لتاجر فضة، قبل أن تنتهي في يد شخص آخر أقدم على صهرها، وهو ما اعتبره "خسارة فادحة للإرث الحضاري المصري".

وشدد الخبير الأثري على أن من يجرؤ على تنفيذ مثل هذه الجريمة لا بد أن يكون شخصًا متخصصًا وواعياً لقيمة ما يسرق، مؤكدًا أن الحادث لا يُعد مجرد جريمة جنائية بل "يمس الأمن القومي ويؤثر على صورة مصر عالميًا".

وكشف عامر أن المتهمة حاولت تبرير فعلتها بدعوى مرورها بأزمة مالية وحاجتها لعلاج مرض السكري، لكنه اعتبر أن هذا "لا يبرر بأي حال خيانة الأمانة، خاصة من موظفة أوكلت إليها مسؤولية الحفاظ على تاريخ وطنها".

تم نسخ الرابط