بقلم علي الشريمي: طلاق كل 9 دقائق والاقتصاد يدفع الثمن

بقلم علي الشريمي: طلاق كل 9 دقائق والاقتصاد يدفع الثمن.. بحسب إحصاءات 2025، سجلت السعودية أكثر من 57.595 حالة طلاق خلال النصف الأول من العام، بمعدل 157 حالة يوميًا. مما يعني أن حالة طلاق واحدة تقع كل 9 دقائق. لكن الرقم الأكثر إثارة للقلق هو أن 65 % من هذه الحالات حدثت خلال السنة الأولى من الزواج، وهي ما تُعرف اصطلاحًا بـ«الطلاق المبكر».
بقلم علي الشريمي: طلاق كل 9 دقائق والاقتصاد يدفع الثمن.. هذه الأرقام لم تعد شأنًا خاصًا داخل جدران المنازل، بل تحولت إلى قضية عامة تتجاوز الأثر الاجتماعي، لتضرب صميم البنية الاقتصادية، فالأسرة ليست مجرد وحدة عاطفية أو اجتماعية، بل نواة إنتاجية تسهم في استقرار الموظف نفسيًا ومهنيًا. وعندما تنهار هذه الوحدة في وقت مبكر، تتزعزع معها توازنات الفرد الداخلية، فيصبح أقل قدرة على التركيز، وأضعف تحملًا للضغوط، وأكثر عرضة للتشتت والانفعال. وكل ذلك ينعكس مباشرة على أدائه في بيئة العمل، وعلى من حوله من زملاء وفِرَق.
بقلم علي الشريمي: طلاق كل 9 دقائق والاقتصاد يدفع الثمن.. أظهرت دراسات أجريت في ألمانيا وكندا أن الإنتاجية الفردية للموظف المتأثر بتجربة طلاق تتراجع بنسبة تتراوح بين 20 % و35 % خلال الأشهر الستة الأولى بعد الانفصال، وفي حالات كثيرة، تمتد الآثار النفسية لعام كامل، خاصة إذا لم يُقدم له الدعم اللازم.
بقلم علي الشريمي: طلاق كل 9 دقائق والاقتصاد يدفع الثمن.. في بيئة العمل، لا يقف الأثر عند حد الفرد وحده؛ فالمؤسسات تتكبد خسائر غير مباشرة، من خلال ازدياد الغياب، تراجع الأداء، تصاعد التوتر داخل الفرق، وتدني مستويات التركيز، ومع ازدياد وتيرة الطلاق المبكر، تصبح الشركات مهددة بعوامل خارجية تمس استقرارها التنظيمي دون أن تكون طرفًا مباشرًا في السبب.
بقلم علي الشريمي: طلاق كل 9 دقائق والاقتصاد يدفع الثمن.. وللحد من هذه الظاهرة، بدأت بعض الدول في اعتماد مقاربات وقائية تتجاوز النصائح العامة، أبرزها: إصدار «رخصة تأهيل للزواج»، وهي وثيقة تُمنح بعد اجتياز دورات تدريبية إلزامية، تهدف إلى تجهيز الطرفين نفسيًا ومعرفيًا قبل دخول الحياة الزوجية.
في ماليزيا، مثلًا، فُرضت هذه الدورات على المقبلين على الزواج، وتستمر من 3 إلى 5 أيام، وتشمل مهارات التواصل، إدارة الخلاف، وفهم الخصائص النفسية لكل طرف. النتيجة، تراجعت معدلات الطلاق بنسبة 18 % خلال ثلاث سنوات. أما في سنغافورة، فالمبادرة لم تقف عند حدود التدريب، بل رُبطت بحوافز إسكانية وتمويلية للأزواج الذين يُكملون البرامج التأهيلية، مما أسهم في تعزيز استقرار العلاقات الزوجية بنسبة 25 %.
هذه النماذج لا تسعى إلى تعقيد الزواج أو وضع العراقيل أمامه، بل إلى توفير أرضية ناضجة تنطلق منها العلاقة، بعيدًا عن الاندفاع والتوقعات المثالية التي لا تصمد أمام الواقع، وفي المملكة، ربما يكون الوقت قد حان لتبني نموذج مشابه، بتعاون مشترك بين وزارات العدل، الموارد البشرية، ومجلس شؤون الأسرة. ويمكن تقديم هذه الدورات حضوريًا أو عبر منصات إلكترونية معتمدة.
الحفاظ على مؤسسة الأسرة لم يعد مجرد التزام أخلاقي أو ديني، بل أصبح ضرورة اقتصادية. فالموظف الذي يغادر منزلًا مضطربًا لا يدخل إلى مكان العمل بالاتزان ذاته، وقد يتحول من عنصر فعال إلى عبء مؤسسي. وحين تضع الدولة استقرار الأسرة ضمن أولوياتها، فإنها بذلك تستثمر في رأس مالها البشري الحقيقي.
آن الأوان لأن نتعامل مع الزواج كمسؤولية كبرى، تستحق التأهيل قبل الدخول فيها، تمامًا كما لا يُسمح بقيادة سيارة دون رخصة، فكيف بزواج تُبنى عليه حياة وأسر ومجتمعات.