رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم فاطمة المزيني: درس الحقائب الصينية

هير نيوز

بقلم فاطمة المزيني: درس الحقائب الصينية.. هل يمكن لقطعة من الجلد المخيط أن تحمل في طياتها أسئلة وجودية عن هويتنا؟ لماذا نجد أنفسنا ندفع ثمناً يفوق قيمة المادة بعشرات الأضعاف، وكأننا نشتري روحاً لا سلعة؟ في هذا العصر، حيث تحولت الأشياء إلى رموز، لم تعد الحقائب مجرد أوعية لحمل الأغراض، بل أصبحت أوعية لحمل هوياتنا المفتقدة.

بقلم فاطمة المزيني: درس الحقائب الصينية.. العلامات الفاخرة تقدم لنا أكثر من منتج، تقدم لنا «ذاتاً بديلة». حين نقتني حقيبة فاخرة، نحن لا نشتري جلداً وخيوطاً، بل نشتري وعوداً: وعد بالانتماء إلى طبقة اجتماعية، وعد بالتميز عن الآخرين، و الوعد - الأكثر خداعاً - بأننا سنصبح «أكثر أصالة». وهنا تكمن المفارقة الوجودية. إذ نبحث عن الأصالة من خلال أدوات مصنوعة لجماهير لا تحصى.

بقلم فاطمة المزيني: درس الحقائب الصينية.. الفيلسوف مارتن هايدغر كان يرى أن الإنسان في العصر الحديث قد أصبح «مستعداً للوجود» بدلاً من أن «يكون». هذه الرؤية تتجسد في علاقتنا مع الحقائب الفاخرة. نحن لا نقتنيها لـ«ما هي»، بل لـ«ما تمثله». القيمة لم تعد في جوهر الشيء، بل في سلسلة الدلالات الرمزية التي يخلقها السوق حوله. وهكذا تتحول الأصالة من حالة وجودية إلى سلعة قابلة للشراء.

بقلم فاطمة المزيني: درس الحقائب الصينية.. وسائل التواصل الاجتماعي حولت هذه العملية إلى طقس جماعي. «الانكشاف» لم يعد مجرد فضّ للغلاف، بل أصبح طقس عبور إلى هوية جديدة. كل صورة ننشرها لحقيبتنا الفاخرة هي إعلان عن الذات التي نريد أن نكونها، لا التي نحن عليها. الفجوة بين «الذات الحقيقية» و«الذات المعروضة» تتسع، بينما نستمر في ملئها بمزيد من السلع الرمزية.

بقلم فاطمة المزيني: درس الحقائب الصينية.. المفارقة الأكثر إيلاماً تكمن في محاولات التمرد على هذا النظام. الأجيال الجديدة التي ترفض العلامات الفاخرة لصالح «التجارب» وقعت في الفخ ذاته. فالسفر الذي يفترض أن يكون اكتشافاً للذات تحول إلى سلسلة من الصور المعدة للإنستغرام. الأندية الرياضية لم تعد أماكن للتدريب، بل مسارح لعرض «أسلوب الحياة». حتى الهوايات تحولت إلى وسائل لبناء «براند شخصي». فهل أصبحنا عاجزين عن اختبار الحياة إلا من خلال عيون الآخرين؟

ربما تكمن الأصالة الحقيقية في القدرة على امتلاك شيء دون أن يمتلكنا. في أن نحمل حقيبة لأنها تعجبنا حقاً، لا لأنها تخبر الآخرين عنا. لكن في عالم تحولت فيه كل الأشياء إلى نصوص نقرأ من خلالها هوياتنا، هل ما زال ممكناً أن نوجد خارج هذا السرد الاستهلاكي؟

الحقيبة الفاخرة في النهاية ليست مجرد إكسسوار، بل هي مرآة تعكس أزمة الإنسان الحديث: البحث عن الذات في عالم حوّل كل شيء إلى سلعة، حتى الهوية نفسها.

والسؤال الأكثر إلحاحاً: هل نستطيع أن نجد أنفسنا دون أن نشتريها؟

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط