بقلم فاطمة المزيني: العود الأبدي للفلسفة
الإثنين 02/ديسمبر/2024 - 02:58 م
سمعنا كثيرًا عن أفول نجم الفلسفة في عصر العلم، وعد كثيرون أن حقبة الفلسفة لا تعدو كونها حقبة انتقالية وسيطة بين زمن التفسيرات الغيبية والتفسيرات العلمية.
لكننا نرى العالم اليوم يعود للاهتمام بالفلسفة، ويمنحها مساحة حضور واسعة، حيث يتشارك الناس من مختلف فئاتهم ومجالات عملهم النقاشات الفلسفية. فما أسباب هذا الاهتمام؟
أعتقد أنه يمكننا أن نعزو ذلك إلى جملة من الأسباب الثقافية، والاجتماعية، والتكنولوجية التي تعيد الناس للتفكير في القضايا الأساسية المتعلقة بالوجود، والقيم، والأخلاق، والمعنى.
على سبيل المثال، نرى أنه مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، والهندسة الوراثية، وتغير المناخ، أصبحت هناك حاجة ملحة لفهم التحديات الأخلاقية التي تصاحب هذه التغيرات. ومن هنا كان اللجوء إلى الفلسفة لتكون إطارًا لتحليل الآثار وتقديم المعالجات العقلية.
من جهة أخرى، تبرز في عالم اليوم أزمات متعددة تتعلق بالهوية والمعنى، حيث يشعر كثيرون بالضياع وعدم وضوح الهدف. وهنا توفر الفلسفة أداة للتأمل في الأسئلة العميقة التي تشغلهم.
كما نلاحظ أن زيادة الوعي بالقضايا العالمية مثل العدالة الاجتماعية، والمساواة، وحقوق الإنسان، والهجرة، قد أعادت إحياء الفلسفة السياسية والاجتماعية، لتكون محور اهتمام لفهم كيفية بناء مجتمعات أكثر عدالة.
كذلك، لا يمكننا أن نغفل الأسئلة الميتافيزيقية الكبرى حول الوجود، والزمن، والكون، وهي قضايا تجذب الناس إلى الفلسفة كطريقة للتفكير النقدي في موضوعات لا يمكن للعلم وحده تفسيرها.
تتنامى أيضًا الرغبة في العودة إلى الجوهر الإنساني في عصر العولمة والاستهلاك المفرط، الذي أرهق كثيرين، مما يدفعهم إلى إعادة تقييم العالم والبحث عن إجابات تتجاوز الماديات. وهنا تقدم الفلسفة منظورًا تأمليًا للحياة بعيدًا عن السطحية.
يلعب التنوع الثقافي دورًا مهمًا في الاهتمام بالفلسفة، إذ إن وجود الفلسفات العالمية وتوفرها قد خلق لدى الناس فضولًا خاصًا لاستكشاف وجهات نظر مختلفة.
ولا ننسى سببًا آخر مهمًا يتمثل في انتشار التعليم وتوافر الكتب الفلسفية بين أيدي القراء، خصوصاً تلك التي تبسط الأفكار الفلسفية وتجعلها متاحة للنقاش والفهم بين شريحة واسعة.
وختامًا، لعلنا نعود لاستقراء الفلسفة نفسها لنجد سببًا وجيهًا في نظرية الفيلسوف نيتشه حول مفهوم «العود الأبدي»، إذ يشير هذا المفهوم إلى تكرار الأحداث الكونية والحياتية بلا نهاية.
وقياسًا على ذلك، فإن العودة لإحياء العقل والمنطق بعد حقبة الاستقطاب الأيديولوجي هو نمط فكري متكرر في تاريخ البشرية. يمكن ملاحظة هذا في بدايات الفلسفة اليونانية بعد حقبة الإلهيات، كما نراه في بدايات عصر النهضة عند الخروج من ظلمات العصور الوسطى، وها هو يتكرر الآن في أعقاب قرن أرضي أيديولوجي بامتياز.
نقلا عن الوطن السعودية