بقلم فاضل العماني: صورتنا في مواقع التواصل الاجتماعي
يبدو أن أهمية وخطورة وتأثير الشبكات الاجتماعية والمنصات التفاعلية والتطبيقات الرقمية على مجمل الحياة العصرية بكل ما تحمله من تفاصيل إنسانية ومادية، لا يمكن اختزالها ببعض السلبيات والمخاطر والتأثيرات التي تنتج من سوء استخدام أو من قصور في فهم طبيعة ووظيفة تلك الأدوات التكنولوجية الرائعة، بل على العكس تماماً فهذه المواقع الاجتماعية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بحاجة ماسة لأن تُمارس الكثير من الأدوار والعلاقات وتُقدم الكثير من الخدمات والمبادرات التي تُسهم في إحداث نهضة حقيقية للمجتمع بمختلف أفراده وفئاته وشرائحه.
منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأت مجموعة من الشبكات الاجتماعية في الظهور، وكان موقع Classmates.com الذي وضعه المصمم راندي كونرادز مع زملائه في عام 1995 هو الركيزة الأولى لمواقع التواصل الاجتماعي، ثم تبعه موقع SixDegrees.com الذي أنشئ في عام 1997، ليبدأ عصر جديد أطلق عليه "ثورة الشبكات الاجتماعية" يتضمن مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة والمدونات العامة والشخصية.
ورغم ما تحمله من بعض المخاطر والسلبيات، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل إكس والفيس بوك وسناب شات وانستغرام وغيرها، تتمتع بملامح إيجابية مذهلة لا يمكن حصرها، ولكنني سأورد بعضها في عجالة: لقد استطاعت هذه الشبكات الاجتماعية الرائعة أن تجعل هذا العالم أكثر انفتاحاً، لأنها لا تعترف بالحدود والحواجز والمسافات، فقد حولت العالم إلى شاشة كونية صغيرة جداً لا تزيد مساحتها عن عدة بوصات، مفتوحة على كل الفضاءات ومتصلة مع كل السماوات. كما ساعدت هذه المواقع على تنوع مصادر الأخبار، فبعد أن كانت وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والتلفزيونات والإذاعات ووكالات الأنباء هي المصادر الوحيدة التي يُعتمد عليها في معرفة الأخبار والأحداث، ظهرت هذه المواقع والشبكات لتُغيّر الشكل والأسلوب وتؤسس لإعلام جديد عابر لكل القارات والعادات والقناعات. أيضاً، أصبح الإعلام الجديد بأذرعه القوية وتطبيقاته المذهلة، يُمارس دوراً رقابياً مهماً عبر ما يبث وينشر ويعرض لكل مكامن القصور والخلل في كل ملامح وتفاصيل حياتنا.
إيجابيات وفوائد هذه المواقع والشبكات الاجتماعية الرائعة، كثيرة ومتنوعة ولكن أعظمها على الإطلاق هو قدرتها المذهلة على إخراج ذواتنا الحقيقية من بين تلك الجدران السميكة التي بنيناها حول أنفسنا كل تلك السنين الطويلة، فقد أظهرت هذه الشبكات الإنسانية مكامن ومعالم الطفولة والبساطة والعفوية التي نتمتع بها، بل لقد حرضتنا على التمرد الجميل على كل تلك التقاليد والعادات والضغوطات والالتزامات التي سيّجت حياتنا بأسوار عالية تُقيدها ثقافات العيب والخجل والتردد. لقد أصبحنا نستمتع بمشاركة الأهل والأصدقاء بل حتى الغرباء في أطباقنا وأغانينا وملابسنا وأفلامنا ورحلاتنا وصورنا وكل تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة، تماماً كما لو كنا نعيش زمننا الجميل الذي تاه منا.
مواقع التواصل الاجتماعي، أكبر بكثير من كونها مجرد تطبيقات ووسائط لعرض الصور واليوميات، هي أهم من ذلك بكثير، هي الصورة التي نُريد أن نلتقطها لحياتنا بكل بساطتها وعفويتها.
نقلا عن الرياض السعودية