تاج محل.. ضريح الحب الأول في الزمن الباكستاني
السبت 30/يناير/2021 - 11:34 م
إسلام علام
"تاج محل".. أكبر وأفخم ضريح في العالم، يعد أعجوبة من أعجوبات الزمان، قصة حب وجمال، دمعة على خد الحزن والآلام، جوهرة العمارة الإسلامية الهندية، ضمته "اليونسكو" كموقع للتراث العالمي، بُني من أجل امرأة عاشقة، كانت زوجة ومحبوبة وصديقة وأم ومصدر حنان لأعظم ملوك زمانه الإمبراطور شاه جهان.
ولدت الأميرة "أرجمند بانو بيجم"، في عام 1593، بمدينة "لاهور"، وهي مدينة مشهورة الآن تقع في جمهورية باكستان الإسلامية، لعائلة فارسية نبيلة، وكان أبوها "نواب آصف خان" كبير قادة الجيش المغولي والذي لقب بيمين الدولة وكانت أميرة الفعل والصفة والاسم، كما أنها فائقة الجمال، ونادرة الحسن، وثاقبة الفكر، عميقة الذكاء راجحة العقل.
في ذات يوم، كان الملك شاه جهان يتجول ومعه مجموعة من الحراس، ورأى أرجمند بانو جيم، فوقع في حبها بمجرد أن رأها، فخطبها في عام 1607، وتزوجها رسميًا بعد 5 سنوات 1612، لتبدأ أكثر وأكبر وأعمق قصة حب شعبية في العالم، تغنى بها العشاق في كل مكان، حضر وأرياف.
كانت "أرجمند بانو جيم" مفضلة ومحببة لأقصى درجة لدي السلطان فمنحها اسم "ممتاز محل"، ويُعني بالعربية "جوهرة القصر"، واتخذها مستشارة سياسية له، فكان يستشيرها في كل الأمور ويعمل بنصائحها لرجاحة عقلها وعدم طمعها في الحياة السياسية، كما عهد إليها بحفظ الخاتم الملكي، وكانت رفيقة له في جميع حملاته العسكرية وفي رحلات الصيد والنزهة، وأنجبت له 14 من الأولاد والبنات.
ولد الإمبراطور شاه جهان في عام 1592م، وهو ابن الملك نورالدين محمد سليم، المعروف بجهانجير، فاتح العالم، وتولى الحكم في عام 1628، وتميز عصره بالرخاء والرفاهية والبناء والإزدهار الذي لم تشهد الهند مثيلًا له، وكان حاكمًا متمرسًا يتصف بالحزم الشديد والسهر على الرعية، وكان متدينًا متمسكًا بشعائر الإسلام، وكرم العلماء والكتاب، ويقدم الصدقات والهبات للفقراء سنويا، ومحبًا للعلم ومشجعًا على التأليف.
في عام 1630، رافقت ممتاز محل زوجها شاه جهان إلى مدينة "برهان بور" وكانت حملة حربية في هضبة الدكن، وكانت وقتئذ حاملًا، وإذ بالمرض يزورها خفيفا خفيفا حتى تمكن منها وأثقلها أثناء ولادتها لابنتها الرابعة العشر، فأمرت ابنتها الكبرى بسرعة استدعاء زوجها الذي ترك أرض المعركة مهرولًا لمحبوبته، التي ماتت في أحضانه الدافئة يوم الأربعاء 17 يونيو عام 1631، فحزن عليها كثيرًا، وبكاها ليلًا ونهارًا، وانعزل بعد وفاتها لمدة عام كامل، وظهر في عام 1632 م وكان الشيب قد غطى رأسه وانحني ظهره، وشحب وجهه، إلا أن استطاعت ابنته "جهان آراء بيجم" في خروجه من تلك الحالة المزرية.
دفنت "ممتاز محل" بعد وفاتها مباشرة في "برهان بور"، ولكن لم يكن السلطان راغب في هذا المكان كموضع يخلد ذكراها، ولهذا أمر بنقل جثتها، فحملت في نعش ذهبي غادر برهان بو يوم الجمعة 12 ديسمبر 1631م، ووصل مدينة أجرا في 9 يناير 1632م، ووضعت في مبنى صغير على ضفاف نهر يمونا، إلى أن قرر أن يبني لها أفخم ضريح في العالم ليضم رفاتها ويخلد ذكراها، ويكون نصبًا تذكريًا للحب والجمال والوفاء لا مثيل له في العالم.
وتقع مدينة آجرا في ولاية اترابراديش، وتبعد نحو مائتي كيلو متر جنوبًا من نيودلهي عاصمة الهند، وسمى المبنى "تاج محل" والذي يعني "تاج القصر"، واستغرق بناءه 22 عامًا، وكلف 31 مليون روبية، وبني من الرخام الأبيض الذي يتغير لونه اعتمادًا على انعكاسات ضوء الشمس وضوء القمر على سطحه، كما طعم باليشم والكريستال والتبت والليس والياقوت والعقيق واستخدم أكثر من ألف فيل في جلب أنواع الرخام، الذي استقدم من كل من راجستان، والبنجاب، والصين، وأفغناستان، وسريلانكا، والسعودية، ويزوره أكثر من 80 ألف زائر يوميًا.