الأحد 28 أبريل 2024 الموافق 19 شوال 1445
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم مريم الزرعوني: غرائب دواعي النحل في الشعر العربي القديم

السبت 23/ديسمبر/2023 - 12:46 م
هير نيوز

مّا تقادم زمن قول الشعر الأول عن تدوينه لزمت الرواية، ولم تكن تلك صنعة قاصرة على العرب، بل جرت في أمم أخرى منهم اليونان، فقد كان لهم رواة متفرغون لرواية الشعر، ينشدونه باعتباره سردًا لتاريخ الأمة، وأهم ما وصل إلى الأجيال اللاحقة ملحمة الإلياذة للشاعر اليوناني هوميروس. ما جرى في اليونان جرى على العرب، إلّا أنّهم أخذوا من شواهد الشعر طاهره وفاحشه، لكنّ الذي يؤخذ من الشاهد هو اللفظ، وإن ابتُذل المعنى في شعر الفحش والمجون. وقد برّر الرافعي ذلك بطهارة اللفظ وإن دنى المعنى. كثر ذلك في شواهد النحو لأسباب أهمّها ذهاب الرواة وعفاء مجالسهم، ما اضطر المدوِّنين الموثِّقين من مدرسة الكوفة، لقبول الرواية، وهذا سبب أساسٌ في ضعف مذهبهم عند العلماء، فقد اتُّهموا بالاستشهاد بالشاذّ، حتى جعلوه أصلًا يبنون عليه الباب، وشيخهم في ذلك الكسائي، وقد عيب عليهم ما ذهبوا إليه بذريعة سدّ الحاجة. لكنّ هذا لا يعني سلامة البصريين من الوضع، رغم وصفهم بالأوثق، وقد كانوا يتفاخرون باقتصار قبول الشواهد من الأعراب أهل البوادي، «أكلة اليرابيع» على حد وصفهم، رغم أنّ أحد رواتهم اعترف بوضع أبيات لسيبويه، في بعض أبواب النحو، من ذلك ما وضعه اللاحقي واعترف به حينما سئل عنه.

ظهر نوع آخر من الشواهد في القرن الثالث الهجريّ مع ظهور التفلسف وعلم الكلام، فلجأ المتكلمون ومنهم المعتزلة إلى اختلاق الشعر للاستشهاد به على مذاهبهم. وقد ذكر ذلك الفقيه اللغوي ابن قتيبة، في تأويلهم المقصود بالكرسي في آية الكرسي من سورة البقرة بالعلم، واستشهدوا بشطر بيت: «ولا يكرسئ علم الله مخلوق».

ثمّة شواهد أخرى استدعتها الحاجة عند شيوع أخبار العرب، وهي الشواهد على الأخبار التي ظهرت بسبب انتشار القصاصين، الذين وضعوا شعرًا خاصًا ليشهد على صحة أخبارهم وأساطيرهم، مثل قصة الخلق وخبر آدم وغيره من الأنبياء، وأول الواضعين للأخبار محمد بن إسحاق، الذي أكثر في ذلك، وعزا ذلك الشعر للوحشة والوسوسة التي تنتاب هؤلاء الذين يتوحدون بأنفسهم في البراري، فتنطق الجنّ على ألسنتهم، وهم يقصّون ذلك على العامة وأشباههم، لأنّ صاحب العقل والفكر لن يقبل ذلك بالطبيعة.

نوع شاذٌ مستغربٌ من عالِمٍ واعٍ، سنعرض له في هذا المقام، وهو الوضع من قِبل الأدباء، وما اقتصر ذلك على الشعر، بل انسحب على النثر من الخطب والرسائل؛ لأجل استدراج النقاد وأهل الفكر للإدلاء بآرائهم، مظنّة استحسانهم لما سيسمعونه من الشعر الموضوع، معنى ومبنى بغضّ النظر عن صحته وثبوته.

ومن أنواع النحل الغريبة فيما استعرضناه، ما وضعه المؤلفون في كتبهم من نصوص مختلقة، على من كتبوا عنهم من شعراء وأدباء، حسدًا وكيدًا حتى إنّ المعري ذكر ذلك في كتابه «عبث التوليد».

آخر أسباب الوضع في هذا المقام، ما وثقه الرافعي في كتاب تاريخ آداب العرب، وهو حاجة الرواة للاستئثار برواية الأخبار، بحيث لا يأتي بها غيرهم. لأجل ذلك صنعوا شعرًا مدّعىً للشعراء، ولا سيّما الفحول، فألبسوا شعرهم على الرواة الآخرين بإدخال هذا في ذاك، والزيادة على شعر أحد منهم. والحذف من آخر، وأشهرهم حماد الراوية وخلف الأحمر.

نقلا عن الرياض السعودية


ads