بقلم مريم النويمي: هموم طالبة ثانوي

على متن الطائرة المتجهة من الرياض إلى جدة، كانت تجلس بجواري تليها أختها الصغرى. ما أن أقلعت الطائرة حتى سمعتها تدعو على أختها التي لا يتجاوز عمرها ثمانية أعوام، وحينما استقرت الطائرة في الأفق، التفت إليها وسألتها: أنتِ متوترة! سؤال خلق لديها رغبة في الفضفضة، (أنا أخاف من الطائرات وأختي قالت راح تطيح الطيارة). إذا أتتك فرصة لتقديم النصح لأحدهم لا تفرط فيها، بعث الطمأنينة في قلب إنسان يجعله يتجاوز اللحظة بسلام. حوادث السيارات أكثر من حوادث الطائرات ورغم ذلك لا يمكن أن يمر يوم دون أن نستخدم السيارة، والله خير حافظ. أختك كانت تنتظر منك أن تطمئني قلبها، لأنك أكثر شجاعة وأنتِ قدوتها، كلمات كانت كفيلة لأن تحكي كل ما لديها، وكأنها شهرزاد، عرفت مدرستها، وكتبها ومعلمة الرياضيات التي لا تحبها، وصعوبة الرياضيات وواجباتها الكثيرة، وكيف للدوال والتكامل والتفاضل أن تنفعنا في حياتنا بعد ذلك، ولماذا معلمة الإنجليزي لا تشرح لهن جيداً ورغم ذلك تُصعب الأسئلة. ووصفت نفسها بالغبية، تحب الفيزياء رغم صعوبتها لأن معلمة المادة طيبة. حكت عن خوفها من اختبار القدرات، وصعوبة التحصيلي وهي التي تحلم بتخصص يوفر لها فرصة وظيفية جيدة، ولكن كيف لها أن توفق بين العناية بإخوتها الصغار، أختها التي بالجوار وأخوها الذي يتوسط والديه في الجهة الموازية، وتحقيق حلم المستقبل، فوالدتها عليها الكثير من المسؤوليات، فهي التي تأخذهم للمدرسة وتعيدهم منها وما بينهما تقضي أموراً لمنزلها، لأن والدها مريض، فكان عليها أن تقوم ببعض مهام أمها في المنزل. اشتكت من ثقل واجبات أختها، كيف لطفلة في الثامنة من عمرها أن تكتب صفحتين من الواجبات، وهي تحب الرسم، فمتى ترسم!

المدرسة المكان الأحب إلى قلوبنا، الذكرى التي لا ننفك عن الحديث عنها، كيف أصبحت كابوساً لطالبة كهذه، أحدهم رسخ فكرةً ما في ذهنها، أنها فاشلة، أنها غبية، ومن أقنعها أن القدرات صعبة، وأن الرياضيات لا تنفع، من قال إنه يجب أن ننجح دائماً! من لم ينجح ليس بفاشل بل حاول وتعلم لينجح في المرة القادمة ويشعر بطعم النجاح.

(فاشل) مجرد وسم يصنعه البعض لإعاقة الآخرين.

الغباء ليس من صفات الإنسان أصلاً، فكل إنسان لديه عقل يعقل به الأشياء، ولكن هناك من استخدم عقله وآخر اختار أن يرتاح، الذكاء أحياناً صناعة بيئة، بيئتك تساعدك على أن تكون ذكياً، لأنها تُبرز أفضل ما فيك. ليس هناك شخص يعرف كل شيء، بل المهم أن تعرف كل شيء أنت تمارسه، أن تمارس ما لا تفقه هذه مصيبة.

ما زالت في ذاكرة الكثيرين منّا مواقف لمعلمينا، حسنة كانت أو سيئة، شخصية المعلم تحبب أو تنفر الطالب من المادة، هناك معلم صنع عقدة لدى تلاميذه من مادة معينة، لم يستطيعوا تجاوزها حتى كبروا.

كيف تذاكر أهم من كم ساعة تذاكر، هناك المهم والأهم، تمنيت أن تكون هناك مادة تهتم بكيفية المذاكرة أو مهارة التعلم من مراحل التعليم المبكرة، حصص تفاعلية، ليست مرتبطة بدرجات الطالب. الأمريكي (ويل ريتشاردسون)، الذي كره مادة الرياضيات، تعلم كيف يتجاوزها، وأصبح مؤلفا في تقنية التعليم، وأسس مدونة (كيف تدرس سريعاً)، ما أحوجنا لمثل هذه التقنيات بالذات لمن يكره مادة معينة لسبب ما.

طالبة في المرحلة الثانوية ترحل بهمومها أينما حلت، أين دور الأخصائية الاجتماعية في المدرسة! من يحتوي هذه الطالبة، هل دور الأخصائية الاجتماعية مفعل في المدارس؟ لا يكفي أن تكون هناك مرشدة طلابية جل مهامها إدارة النشاطات المدرسية، المفترض أن تكون هناك اختصاصية اجتماعية في كل مدرسة، تحاصر وتشتت خوف الطالبات وتمتص طيشهن.

ولأن في الفضفضة للغرباء راحة، استمرت الصغيرة تحكي حتى وصلنا. أقنعتها أن إحساسها بعدم محبة الرياضيات ما هو إلا نتيجة عدم محبتها للمعلمة نفسها، فغالباً ما نحمله من شعور لأحدهم يحمل مثله لنا.

قلت لها: كل هذا سيمضي، وستبقى حكاية تروينها بفخر وكيف أنكِ نجحتِ رغم الصعاب لتكوني مُلهمة.