الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

محمود عبد الحليم يكتب:اجلس مكاني لترى كيف أرك بوضوح

الجمعة 30/يونيو/2023 - 11:24 ص
هير نيوز

دائمًا ما يغضب الشخص بسبب الحكم الظالم عليه من وجهة نظره، مقتنعًا أنه قد ظُلم فى هذا الحكم، ولكن لو جلس هذا الشخص الذي يصرخ هنا وهناك أنه قد ظلم، مكان من حكم عليه، سوف يغير رأيه تمامًا ليحكم على نفسه بوضوح أكثر ويرى حقيقته بشفافية، وربما يصدر حكمًا أغلظ من الحكم الذي تم عليه.

اعتاد في الأيام العادية أن يجلس على مقهى قديم يجتمع مع أصدقائه، يمرحون بعض الشيء مع إطلاق النكات والقفشات حتى يسمع أصوات ضحكاتهم كل من في المقهى والمارة أيضًا.

واعتاد رواد المقهى على ذلك المشهد، بل وهناك من يشاركهم النكات، وربما البوح والبكاء على اللبن المسكوب، وكانت الجلسة تمر بسعادة وضحكات مجللة تخرج من هذا وذاك حتى دخل عليهم صديقهم غاضبا وأمسك بصديقه وزميل عمله وهزه بعنف وردد: لم أكن أتوقع أن يحدث منك ذلك، أنت الصديق الذي جعلته أهم من نفسي وأكون الأسعد حينما أراك تضحك وإذا كتب لى القدر أن أرى دموعك أبكي عليك أكثر منك، لماذا يا صديقي؟ وقذف به على الكرسي.

لم يرد الصديق، واكتفى بالصمت، ولكن بقية الأصدقاء ظلوا ينظرون إلى بعضهم، لديهم رغبة جارفة في معرفة الموضوع والقصة، وماذا حدث لهذا الثائر الذي لم يفصح ما فعل معه صديقه والآخر لم يبرر ما فعل ولم يدافع عن نفسه ولم ينصرف؟.. لابد من معرفة الموضوع حتى نساعد في حل المشكلة.

لحظات مرت مصحوبة بفترة صمت مطبق، نظرات عتاب من عيون الصديقين، صوت من بعيد الأستاذ .... من فضلك تعالى، كان ينادي على الصديق الباكي الذي نهر صديقه منذ لحظات، خرج وهو ينظر إلى صديقه نظرة كلها عتاب ولوم.

ما أن خرج حتى انهال الأصدقاء على الصديق المتهم بمعرفة التفاصيل، فتنهد تنهيدة تدل على حزن دفين يسكن قلبه المجروح وقال بصوت خافت، لو جلس مكاني لعلم لماذا فعلت ذلك؟.
 
هذا صديقي منذ سنوات عديدة هو الصاحب والساحب إلى الخير والبر ومساعدة الغير، لا يفرقنا شيئًا إلا المحرمات، لديه زوجة وأولاد، أما أنا ليس لدي أولاد، وزوجتي والحمد لله لم تنجب، وعلمت من مديرنا أنه تقدم بطلب سلفة كبيرة لظرف خطير  ولم يخبرني به، وحاول قدر المستطاع أن لا أعلم، حتى طلب من زوجته لا تخبر زوجتي، وعاش لحظات العذاب منفردًا دون أن يشاركني فيها، أليس من حقي عليه أن أعرف؟ لماذا أكون صديقه فقط في اللحظات السعيدة والحزينة يستبعدنى دون أخذ رأي؟.

يتنهد وتتعلق معه عيون بقية الأصدقاء ولديهم رغبة جامحة في أن يستكمل القصة حتى فيهم من حبس أنفاسه لمعرفة بقية القصة.. وماذا بعد وماذا عرفت وما سر السلفة الكبيرة؟.

دمعت عيون الصديق وأخذ يضرب على وجهه أن صديقه مصاب بالسرطان، وأخذ يبكي وبدون وعي منهم شاركوه البكاء، ومنهم من لطم وجهه.. إنه جميل مؤدب خلوق فاعل خير سبحانك ربي، لم يتمالك الصديق نفسه، فقد وعيه وفاق وأكمل القصة أن صديقي طلب السلفة الكبيرة من أجل العلاج، ولكني طلبت من المدير أن يرفض طلبه، وتقدمت بطلب سلفة من راتبي حتى أقف بجوار صديقي، لم أر منه يومًا موقفًا سيئًا بل كان دائمًا معي في كل شيء داعم ومساند ومساعد، وسوف يتأثر راتبه وهو لديه أولاد، أما أنا، بعد السلفة سوف يظل راتبي يكفي ويزيد.

وتابع ودموعه تتساقط: لذلك جلست مكان صديقي وقلت لنفسي ماذا لو كنت أنا ماذا يفعل صديقي؟ كان ما فعلت هو بالظبط ما سوف يفعله صديقي ولذلك أقول له اجلس مكاني لترى حقيقتك بوضوح.

هل نرى الأوفياء فى زمننا هذا؟

ads