محمود عبد الحليم يكتب: قصة شاب كفيف ملأ الظلام حياته نورًا
الثلاثاء 30/مايو/2023 - 01:43 م
لماذا يفقد الإنسان حلمه بمجرد أن يخسر إحدى حواسه؟.. لقد خلقنا الله في أحسن صورة، وكرمنا على سائر المخلوقات، ومنحنا الإصرار والعزيمة والقدرة على تخطي الصعاب، فرب العالمين لا يكلف نفسًا إلا وسعها ولا يبتلينا إلا بما نستطيع مواجهته، فمهما بلغ المصاب يكون في مواجهته القدرة على التحدي بل والفوز، لأن ذلك بالتأكيد سيصحبه دعم إلهي، وستتهيأ الظروف بشكل أو بآخر ليمنحك الله فرصة أخرى ربما تكون أفضل من قبل مصابك.
قصة اليوم هي لشاب كان ملء السمع والبصر، يمتلك كل شيء، ويحتل مكانة مرموقة في الشركة التي يعمل بها، وكان كل شيء على ما يرام، قبل ذلك اليوم الذي غير حياته بالكامل، حيث تعرض لحادث فقد على إثره بصره وعاش في الظلام وحيدًا رغم أن كل من حوله كان يدعمه ويسانده لكي يخرج من أزمته، ولكنه كان يشعر بالعجز لفقدان بصره، ولم يستطع الاقتناع بكلام الناس الطيبة: أنت أحسن من غيرك، ومن كان معك في الحادث قد مات ولكن أنت والحمد لله على قيد الحياة، وهذه نعمة كبرى، ارض بالمقسوم، والله قد كتب عليك ويجب أن ترضى بقضائه.
لم يعترض ولم يرد بكلمة واحدة، ولكن الشك كان يساوره أنهم يضحكون ويغمزون وربما يضعون أيديهم قرب عيونه لأنه لا يراهم، تمر الأيام ويتأقلم مع الوضع وبدأ يتعايش على أنه لا يرى، وذهب إلى عمله الذي أصر على الاحتفاظ به على أن تكون مهام عمله سماعية فقط.
وفي أيامه الأولى كان يستشعر أن زملاء العمل جميعًا يسخرون منه، خاصة أنه كان يتعامل معهم بمنتهى الغرور والكبر والعجرفة قبل الحادث، وكان لا يسامح المخطئ مهما كان، ولكنه وجد أن الجميع يتعاملون معه بمنتهى الود، أنت في محنة ويجب علينا أن نساندك وندعمك، وكثير ما كان يفضل الجلوس منفردًا ترفض دموعه أن تنزل على حاله.
وفي ظل هذه الدوامة يأتي له صوت ناعم رقيق تناديه باسمه، ولكن لم يسمع هذا الصوت من قبل، فمن هي؟ وشعر ببعض الراحة حينما تحدثت معه بأنها لا يهمها إذا يرى كان أو لا يرى، ولكن ما يهمها أن يعمل بجد مثلما كان وأكثر، وأن يعوض ما مضى حتى تعطيه الشركة راتبًا يستحقه وانصرفت.
وخرج صوته محشرجًا يسأل صديقه الذى يثق فيه "من هذه الفتاة"، فأجاب صديقه: "إنها المديرة الجديدة".
طلب منه أن يصفها وكانت ملامحها قريبة من فتاة كان يعرفها منذ طفولته، وتذكرها، نعم إنها هي الفتاة التى كان يعشقها ولكن الآن مستحيل أن يفكر فيها، ما الذي يدفعها للزواج من شاب يعيش في الظلام.
وبعد أيام، بدأ يتدرب على العمل منفردًا دون الحاجة إلى مساعدة، وكانت تأتي له كل يوم لتزيد من حماسه وتطلب منه المزيد من العمل حتى أصبح أفضل من قبل أن يعيش في الظلام، وأصبح حديث الشركة، وحصل على جائزة الأفضل.
وفى يوم التكريم صعدت مديرته وأعلنت أنها فخورة أن يعمل في شركتها شخص رفض أن يعيش في الظلام، وتحدى المستحيل، ونجح وتفوق، وحقق ما لم يحققه وهو يرى الشمس وقالت بكل الفخر: "أخبركم أنني خطيبة هذا البطل الذي اعتقد أنني لن أعود إليه مرة اخرى، خاصة بعد الحادث، ولكن ما لا يعرفه أنني عدت من الخارج من أجله، وكنت في قمة سعادتي وأنا أراه يتحدى نفسه من أجل أن ينجح، وأعلن اليوم حبي له، بل عشقى لهذا الإصرار، فأنا يا حبيبي عشقك وأعلن أنني من اليوم زوجتك، اذا كنت لا تمانع".
ابتسم الشاب لأول مرة، وكيف يرفض المعشوق عشق معشوقته وكيف لا يؤمن أن رب الكون كافأه بوجودها في حياته وقال لها: "لو أعلم أنك سوف تعودين من أجلي، لطلبت من رب العالمين أن أفقد بصري بعد بعدك عني بيومين".
لا تكن مهزومًا وتقبل أن تكون في نهاية الصف.. ولكن اعمل لتكون في بدايته، وتغلب على كل ما يعوق تقدمك حتى تحقق حلمك.