بقلم نهى الطالوني: لوعة الفراق
"وكل شيئ دون الفراق قليل" وهذا رثاء الإمام علي بن ابي طالب للسيدة الزهراء
فولا تحسبن الفراق هيناً فلو كان هيناً ما سمي عام فراق النبي للسيدة خديجة بعام الحزن.
قلوبنا ممزقة بالذكريات، باتت ترتجف من عطش الحنين ووجعه وأنينه، نعيش دوماً مزيجًا من المشاعر جميعها موجع طالما ارتبطت بالفقد.
لم يكسرنا الفُراق فحسب بل كسرتنا توقعاتنا وأحلامنا التي أنهارت أمامنا أيضاً، كم من لحظات خسرنا فيها أشياءاً لم يكن في الحسبان خسرانها، كم من لحظات فتحنا أعيننا يومًا على واقع لا نريده لنحصي عدد انتكاساتنا فيعجزنا العد ونتمنى عودة زمان جميل انتهى.
كم من لحظات تذكرنا فيها إنسانا عزيزاً رحل بلا عودة لنكتشف أن لا أحد حولنا سوانا ونقف أمام المرآة فلا نستطيع التعرف على أنفسنا، ننادي بصوت مرتفع فلا يصل صوتنا، نشعر بالظلم ونعجز عن تحقيق العدل لأنفسنا، نبدأ نتنازل عن أشياء نحتاج إليها باسم الحب ونتضطر إلى تغيير بعض مبادئنا لنساير الحياة فنقوم بدور لا يناسبنا، نعاشر أناسا فرضت علينا الحياة وجودهم في محيطنا.
كم من لحظات كسرتنا تلك الأحاديث التى بقيت بداخلنا عالقة على شكل ندوب..
كم من لحظات كسرتنا بقايا مشاعر لازلنا نُحارب طيفها لننتصر عليها يوماً..
نعم لم يُميتنا الفراق لكنه سلب طمأنينتنا وجعلنا نعيش في حذر مُخيف من الأيام التي تنتظرنا، مرض قطع فيه الأمل نهائياً في الشفاء، شقاء وتعلق بحبال مهترئة للأوهام عندما اعتقدنا أنّ ما مضى بإمكانه أن يعود وهذا ما يدفعنا لتأجيل الحياة إكراماً للذكريات.
عذاب الشوق قاسي إذا صار صامتًا مثل الطفل يَفهم ويرغب ويتمنى ولا يعرف كيف يبوح.
قال نجيب محفوظ: "أكثر ما يوجع في الفراق أنه لا يختار من الأحبة إلا الأجمل في العين والأغلى في القلب".
تلك العبارات بمثابة نقطة من بحر الظلمات التي يعيشها الإنسان راحل عن روحه غارق ما بين ذكرياته وحنينه وماضيه.
عذراً سنوات العجاف فقد نالت مننا أيامك كل ما تمنيناه فلن يكن في استطاعتنا منحك الأمان مجددا، ليس لنا من أمرنا شيئاً فكل ما نمر به قدر ومكتوب، حتى قلوبنا ليس لنا عليها سطواً أو سلطاناً، ولكن في فراق الأحباب سقام للألباب.
عن العباس بن الأحنف
مَن لَم يَذُق لَوعَةَ الفِراقِ فَلَم يُلفَ حَزيناً وَما رَأى جَزَعا
وَكلُّ شَيءٍ سِوى مُفارَقِة الأَحبابِ مُستَصَغَرٌ وَإِن فَجَعا