لماذا صور الإسلام المرأة بالشيطان في إقبالها وإدبارها؟
الأحد 14/مايو/2023 - 01:28 ص
كمال الناحل
تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا جاء فيه: "ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «إنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ»؟ وكيف نرد على دعوى أن في ذلك انتقاص للمرأة؟".
الرد على شبهة تصوير المرأة بالشيطان
ويجيب عن ذلك السؤال، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ» ليس المراد منه الانتقاص من قدر المرأة ولا الازدراء لها، بل هو صيانة للنساء وتحذير للرجال من إطلاق النظر المحرم إلى النساء؛ لما يؤول إليه ذلك النظر من الوقوع في الغواية أي الانحراف عن شرع الله، والفتنة اللذَيْنِ هما من عمل الشيطان، وتحذير المرأة التي تتعمد بخروجها الفتنة والغواية، وهو وصف فعل قبيح بشيء قبيح؛ للتنفير منه، فلا انتقاص لشأن المرأة في ذلك ولا ازدراء.
شرح حديث النبي عن تصوير المرأة بالشيطان
أما ما أُشْكِل من فَهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
فليس ذلك تشبيهًا للمرأة بالشيطان؛ كما قد يدَّعي من لم يفهم مراد الشرع الذي كرَّم المرأة وبوّأها مكانتها الجليلة، في نصوص محكمة لا شبهة فيها، والرد على هذه الشبهة من وجوه عدة:
أولًا: من المقرر أن الفهم الصحيح لما قد يرد من إشكال في لفظ أو معنى في حديث شريف، إنما يُعلم ويُتَوَصَّلُ إليه بجمع طرقه ورواياته؛ فالنظر في ألفاظ الحديث مما يستعان به على فهم مشكلاته، فربما أُبْهِمَت كلمة في رواية ووُضِّحَت في أخرى، أو أُطْلِقَ حكم في طريق وقُيّد في آخر.
قال الإمام أحمد بن حنبل: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضًا" أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 212، ط. دار المعارف).
وقد روى الإمام مسلم الحديث السابق من طريق أخرى بلفظ: «إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ»، بما يبين أن المقصود من الحديث ليس ذم المرأة أو تشبيهها بالشيطان، وإنما المراد: نهي الرجال عن إطلاق النظر إلى النساء، وتوجيههم إلى ما يجب عليهم فعله إذا ما خطر على قلبهم الشهوة المحرمة لغير الحلائل لهم.
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (9/ 178، ط. دار إحياء التراث): [هذه الرواية الثانية مبينة للأولى، ومعنى الحديث: أنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته.. فليواقعها ليدفع شهوته وتسكن نفسه ويجمع قلبه على ما هو بصدده] اهـ.
تشبيه المرأة بالشيطان
ثانيًا: لا يصح أن يفهم الحديث على تشبيه المرأة بالشيطان؛ لأن في ذلك منافاة للنصوص الشرعية؛ فإن الله خلق الإنسان -ذكرًا وأنثى- في أحسن صورة؛ قال تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر: 64]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، والتشبيه بالشيطان إنما يأتي في موضع الذم؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ۞ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات: 64-65].
ثالثًا: ليس موضوع الذم في الحديث إقبال المرأة ولا إدبارها، وإلا لنهيت المرأة عن الإقبال والإدبار، ولكان الخطاب موجهًا للنساء لا للرجال، لكن لما كان الخطاب موجهًا إلى الرجال؛ تزكيةً وتعليمًا لهم، عُلِمَ أن موضوع الذم متعلق بإطلاقهم النظر إلى النساء حين إقبالهن وإدبارهن؛ ليحذروا أن يوقع ذلك النظرُ في قلوبهم الغواية والافتتان والاشتهاء المحرم، وهذا من عمل الشيطان. وعلى ذلك تواردت النصوص.
سادسًا: إن الوصف بالشيطان مثلما يصح جريانه على فعل الرجل إذا ما أطلق نظره، يصح جريانه على فعل النساء إذا ما خرجت عن طور العفة والاحتشام وتعمدت الغواية والإثارة، وليس في ذلك ما يفهم منه ازدراء النساء في شيء؛ إذ إن الوصف في هذه الحالة لاحق بفعل من تعمدت ذلك منهن، لا بعموم جنسهن.
شبهة ازدراء المرأة
أما الرد على القول بأن في هذا الحديث ازدراء للمرأة، فيجاب على ذلك بعدة أمور:
أولًا: انتفاء تشبيهها بالشيطان إذا لم تتعمد الغواية والإثارة، ولحوق قبح الوصف بما يوقعه الشيطان في قلوب بعض الرجال من الافتتان بها الناتج عن إطلاق النظر إليها والبعد عن الهدي النبوي في الأمر بغض البصر.
ثانيًا: إقبال المرأة وإدبارها في صورة شيطان إنما يكون إذا تعمدت الغواية وإثارة الشهوات، فهو تشبيه قبيح بقبيح، وهو جارٍ على ما جرى عليه التشبيه عند العرب من تشبيه الفعل الحسن بالشيء الحسن للترغيب فيه، وتشبيه الفعل القبيح بالشيء القبيح للتنفير منه، ولا فرق في هذا بين الرجال والنساء، فالنظر للفعل لا للفاعل.
قال القاضي عياض في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم" (2/ 282، ط. دار الفيحاء): [اعلم أن هذا الكلام قد يرد في جميع هذا على موردِ مستمرِّ كلامِ العرب في وصفهم كل قبيحٍ -من شخصٍ أو فعلٍ- بالشيطان أو فعله] اهـ.
ثالثًا: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما شبه قبيح فعل النساء بشيء قبيح للتنفير منه، وهو الشيطان، شبه رقة طبعهن ورقة خلقتهن بشيء لطيف رقيق سريع الكسر، وهو القارورة؛ رفقًا بهن، وحماية لهن، ورعاية لخواطرهن، وحرصًا على سلامتهن، وفي ذلك دلالة على أنه لا ازدراء للنساء في السنة النبوية، وإنما تشبيه الشيء بما يوصل للمعنى من أقرب طريق وأوضح أسلوب، ويحقق الهدف المرجو من ترغيب أو ترهيب؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، وكان معه غلام له أسود يقال له أنجشة، يحدو، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ» متفق عليه.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 545، ط. دار المعرفة): [كنى عن النساء بالقوارير لرقتهن وضعفهن عن الحركة، والنساء يشبهن بالقوارير في الرقة واللطافة وضعف البنية] اهـ.
رابعًا: أن التشبيه بالشيطان في السنة النبوية لم يرد مقتصرًا على فعل النساء فقط، حتى يقال إن في ذلك ازدراء لها، بل ورد تشبيه الرجل بالشيطان في حديث منفرد به، ووردت المساواة في تشبيه الرجل والمرأة بالشيطان في حديث يجمعهما.
فأما تشبيه الرجل بالشيطان في فعله، فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، وأحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي في "السنن"، وابن خزيمة في "الصحيح".
وصف الشيطان
وأما وصف الشيطان على فعل الرجل والمرأة إذا استويا فيه: فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والرجال والنساء قعود عنده، فقال: «لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ: مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَأَرَمَّ الْقَوْمُ» فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون، قال: «فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» رواه أحمد في "المسند"، والطبراني في "المعجم الكبير".
فلم يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم المرأة بالتشبيه بالشيطان، بل شمل التشبيه بذلك كل من فعل فعلًا قبيحًا كان من شأنه الغواية أو الدعوة إلى المحرم رجلًا كان أو امرأة.
الانتقاص من قدر المرأة
وبناء على ذلك: فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ» ليس المراد منه الانتقاص من قدر المرأة ولا الازدراء لها، بل هو تحذير للرجال من إطلاق النظر المحرم إلى النساء؛ لما يؤول إليه ذلك النظر من الوقوع في الغواية والفتنة اللذَيْنِ هما من عمل الشيطان؛ إذ إن زينة المرأة الظاهرة التي جبلت عليها ليست محلًّا للانتقاص منها في شيء، حتى تكون مدعاة للحوق الذم بها أو تشبيهها بالشيطان، بل هي مدعاة لغض البصر عنها عند الريبة والفتنة.
صيانة المرأة
فالحديث إنما جاء صيانة للمرأة عن أن تتلقفها أعين الرجال في إقبالها وإدبارها، ولتحذير الرجال عما قد يوقعه الشيطان في نفوسهم حال إطلاقهم النظر إلى النساء، ويشمل التحذير والوصف القبيح أيضًا للمرأة التي تتعمد بخروجها الفتنة والغواية، وهو وصف فعل قبيح بشيء قبيح للتنفير منه، فلا ازدراء في ذلك ولا انتقاص؛ إذ إن وصف الفعل بالقبح أو الحسن يصدق على كل فاعل له سواء كان رجلًا أو امرأة، ولذا لم يقتصر ذلك الوصف في السنة النبوية على فعل النساء وحدهن، بل ورد تشبيه فعل الرجل أيضًا بالشيطان إن كان من فعله ما يقبح، وذلك مما يؤكد أنه لا ازدراء للنساء في الإسلام ولا في السنة النبوية؛ بل ما ثَمَّ إلا غاية التكريم وتمام الرعاية والتقدير.
والله سبحانه وتعالى أعلم. ونقدم لكم من خلال موقع هير نيوز، أخبار وتقارير، صاحبة المعالى، منوعات، فن وثقافة، كلام ستات، بنات، هير فاشون، حوادث، رياضة، صحتك، مال وأعمال، توك شو، مقالات، دنيا ودين.