محمود عبد الحليم يكتب: فرحة العيد.. سلف وضحك ولعب
العيد يهل علينا ونحن نشعر بالسعادة والسرور والفرحة ونبحث عن مفردات الحب في شخوص حولنا وعن علامات الرضا بالمقسوم على وجوههم ونجد الوجوه سعيدة مسرورة، وترتسم الضحكة الشقية على الشفاه، رغم أنك لو سألت عن سر السعادة لكانت الإجابة الصادمة "الحمد لله ربنا وفقني وقدرت استلف مصاريف العيد من واحد صاحبي، الحمد لله أنا أحسن من غيري، على الأقل لاقيت اللي يسلفني وربنا سترها وهنعيد زي الناس".
العجيب أنك تجده سعيدًا ولا يشعر أنه أصبح مديونًا بمعنى هم بالليل ومذلة بالنهار، ألم يسمع قول من قبلنا "قبح الله الدين، هم بالليل ومذلة بالنهار"، ولكن له منطق غريب "اللي دبرها في العيد إن شاء الله تدبر ويسدد الديون".
ما هذا اليقين المرعب؟ إلى هذا الحد أنت واثق أن صاحب الدين سوف يصبر عليك إلى أن تأتي له بماله، أم بعد العيد سوف ترسل لك السماء ذهبًا لتسدد دينك؟, ولكن الإجابة هى نفسها ذات السؤال "ومن أخبرك أننى سوف لا أسدد ديوني بعد العيد مباشرة، ولو تأخرت على الدين أيامًا سوف يصبر، فهو صديقي وسوف تحل المشكلة، ربك رب قلوب ويقيني بالله أنه سوف يلهمني الطريق الصواب لتسديد الدين" وتدمع عيناه "أنا اقترضت من أجل أطفالي حتى يكون عيدًا سعيدًا عليهم مثل باقي الأطفال من الأهل والجيران ولم يكن معي مالاً، طلبت من صديقي قرضًا حسنًا ولم يخيب ظني على الرغم من أحد أصدقائى أخبرني بعدم الذهاب إليه لطلب المال منه".
وإليك القصة
لم يكن أحمد يعلم أن راتبه الشهري سوف تصرفه زوجته قبل العيد بأم قليلة فقط، بل وتطلب منه المال حتى يكمل شهر رمضان على خير.
ينظر أحمد إلى سقف غرفة النوم لعله يجد إجابة على سؤال "هل زوجتي لا تعيش معي وهل تعتقد أننى أعمل وأنا نائم ولذلك معي أموال؟ ألم تسمع المثل الدائر على ألسنة الجميع عد غنمك يا جحا واحدة نايمة وواحدة صايحة؟ ويردد أحمد سؤالاً صعبًا.. ماذا أفعل معها؟.
وتبدأ زوجته في الإلحاح "متى تأتي بالمال حتى أستطيع شراء ملابس العيد لأطفالنا؟ زوجة خالهم كانت عندنا أمس ورأينا ملابس عيد أطفالها ورأيت أسئلة أبنائى مصحوبة بدمعة ونحن متى نشتري ملابس العيد؟", هنا يركز أحمد في كلام زوجته ويبتسم ويردد: "حاضر اليوم بعد الإفطار إن شاء الله".
تضحك الزوجة وتظهر على وجهها علامات السعادة المفرطة وتجري نحو أبناءها وتصرخ بابا سوف يأتي لنا اليوم بالفلوس وسوف نشتري ملابس العيد، ويصفق الأطفال والسعادة والفرحة والبهجة تكسو الوجوه ويرقصون مع الأم ويغنون العيد فرحة.
ويغني أحدهم ضحك ولعب وجد وحب، ويرقصون، ويضع الأب رأسه على مخدته القطنية ويضع يده تحت رأسه ويذهب إلى بعيد.. من الشخص المناسب الذي أذهب إليه للاقتراض حتى لا أكسر قلب أطفالي؟ ولا أقتل فرحتهم وسعادتهم؟ لحظات والأب شارد ولكن يستقيظ على شفاه بارده على خده ليرى ابنته الصغيرة تضع قبلة رقيقة على خد أبيها.
ويمسك هاتفه وقبل أن يقلب في الموبايل، يجد ضالته، والغريب أنه أول اسم، إنه صديقة الحبيب أشرف وعلى الفور يتصل به، ويرد أشرف مهللاً مكبرًا: "كيف حالك؟"، كان رد أحمد مقتضبًا جدًا: "ممكن أراك اليوم بعد الإفطار مباشرة؟".. يشعر أشرف بتغير نبرة صوت صديقه ليرد عليه "نعم سوف انتظرك".
ويذهب أحمد لمقابلة صديقه في كافيه، ولكن أشرف يلاحظ أن أحمد ليس سعيد، يتعجب أشرف "ماذا بك؟ لقد أقلقتني عليك".
أحمد يرد: "لاشيء يا صديقي، هل معك فلوس عايز أجيب ملابس العيد لأطفالي وهنا يخرج أشرف ظرفًا مكتوبًا عليه صديقي الغالي أحمد، قسمت ما في بيتي بيني وبينك وهذا نصف ما امتلك وسامحني إذا لم أستطيع أن أعطيك ما تطلب".
أمسك أحمد الظرف وتبدو على أشرف علامات الضيق والحرج وهو يشاهد صديقه يعد النقود، ولكن فجأة توقف أحمد عن عد الفلوس ونظر إلى صديقه أشرف وقال: "هذا فقط ما أريد جزاك الله عني خير الجزاء" ثم أعطاه الباقي.
انتفض أشرف وأمسك ظرف المال وعد ما تبقى من مال ليجد نصف المال ونظر إلى السماء ودمعت عيناه وقال سبحان الله الرحيم الرحمن مدبر الكون قد دبر لنا أمرنا ومن يحسن التدبير غيره.