الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

هل قول «صدق الله العظيم» بعد قراءة القرآن بدعة؟ «الإفتاء» تجيب

الجمعة 03/مارس/2023 - 03:14 م
القرآن الكريم
القرآن الكريم

تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا جاء فيه: يعترض البعض على قول: «صدق الله العظيم» بعد الانتهاء من تلاوة القرآن الكريم، مدعيًّا أنها بدعة، وإنه إحداث أمر في الدين ليس منه، فهل هذا الكلام صحيح؟  


حكم قول صدق الله العظيم

ويجيب عن ذلك السؤال، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: قول: (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن جائزٌ شرعًا ولا شيء فيه، وهو من مطلق الذكر الذي أمرنا الله تعالى به في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41]، ومن خصوص الذكر في خطاب الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ﴾ [آل عمران: 95].  



قول: (صدق الله العظيم) مطلق ذكر لله تعالى؛ وقد أُمِرنا بذكر الله تعالى بالأمر العام في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 41]، وبالأمر الخاص في خطاب الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ﴾ [آل عمران: 95]. 
والربط بين قراءة القرآن الكريم وبين هذا الذكر في نهايته لا مانع منه شرعًا؛ إذ هو عبادة أضيفت إلى أخرى. 
 


إحداث في الدين ما ليس منه 

ولا يقال: إن هذا إحداث في الدين ما ليس منه، بل هو إحداث فيه ما هو منه، وهذا يُفهم من فعل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ ففي "صحيح البخاري" عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ: أَنَا، قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ». 
فهذا صحابي يدعو بما لم يَسبق بخصوصه بيان نبوي، فيُقِرُّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يُنكر عليه، بل بشَّره بأنه رأى الملائكة يتنافسون على كتابتها. ولا يُقال: إن هذا كان وقت تشريع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم يرشدهم، أما الآن فلا؛ وذلك لأنه لم ترد في سياق الحديث أيُّ قرينة تشير إلى ذلك: حالية أو مقالية، فالحالية؛ كغضب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصفه راوي هذا الحديث من تجرؤ هذا الصحابي الإتيان بذكر لم يُعلِّمه إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والمقالية؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أحسنت ولا تعد. 
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 287، ط. دار المعرفة): [واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور] اهـ. 

 

الترك والحرمة 

ولا يُعترض على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعل هذا الأمر، وهو قول: (صدق الله العظيم)؛ لأن مجرد الترك لا يقتضي حرمة بمفرده، ولا بد معه من دليل آخر، والمقرر أن ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمر من الأمور لا يدلُّ بالضرورة على تحريمه؛ فقد يتركه صلى الله عليه وآله وسلم لأنه حرام، وقد يتركه لأنه مكروه، وقد يتركه لأنه خلاف الأولى، وقد يتركه لمجرد أنه لا يميل إليه؛ كتركه أكل الضب مع أنه مباح، ومن ثَمَّ فليس مجرد الترك بحجة في المنع. 

 

آداب تلاوة القرآن الكريم 

ومما يستأنس به أيضًا من كلام العلماء في هذه المسألة: ما ذكره الإمام القرطبي في مقدمة "تفسيره" أن الحكيم الترمذي تحدث عن آداب تلاوة القرآن الكريم وجعل منها: أن يقول عند الانتهاء من تلاوته: (صدق الله العظيم)، أو ما يؤدي هذا المعنى. ونص عبارته في "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 27-28، ط. دار الكتب المصرية، القاهرة): [ومن حرمته -أي القرآن- إذا انتهت قراءتُهُ أن يُصَدِّقَ ربَّهُ، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: صَدَقْتَ ربنا وبلَّغَتْ رُسُلُك، ونحن على ذلك من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات] اهـ. 
وبناءً على ما سبق: فإن قول: (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن جائزٌ شرعًا ولا شيء فيه، بل هو من جملة المستحبات. 
والله سبحانه وتعالى أعلم 

ads