ما حكم عمل زفة لإثبات عذرية العروسة؟ «الإفتاء» تجيب
الأحد 01/يناير/2023 - 12:06 م
كمال الناحل
أرسل رجل إلى دار الإفتاء المصرية، يستفتيها في حكم عمل احتفال أو زفة ابتهاجا بإثبات عذرية العروس، وقال في سؤاله: "انتشر على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو أظهر احتفالًا لفتاة بعذريتها، وظهر في الفيديو هتافا ل بشرفها وعفتها، وهو الأمر الذي أثار جدلًا كبيرا، فما حكم ذلك، وهل للعذرية أثر على عقد الزواج، وهل العذرية دليل على شرف الفتاة وعفتها؟
ويجيب عن ذلك السؤال، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: عمل الزفة المذكورة للاحتفال بثبوت عذرية الفتاة بعد الكشف الطبي عليها مخالف للمسلك الأخلاقي النبوي، والعذرية لا ترقى إلى عدِّها قرينة على ثبوت عفة المرأة ولا نفيها، فمن المقرر شرعًا أن غشاء البكارة قد يزول بسبب اندفاع دم الحيض أو الركوب على شيء حاد أو نحو ذلك، وعَدَمُها ليس عيبًا يفسخ به النكاح، والدليل على شرف الإنسان وعفته: أخلاقُه وتقواه وسلوكه الحسن بين الناس.
العذرية مصطلح يُطلَق ويراد به في الأغلب: عدم ممارسة المرأة الجماع من قبل، وتثبت العذرية في زعم العامة بالاختبار والتحقق من وجود غشاء بكارة سليم، على التوهم الشائع من أنَّ غشاء البكارة لا يمكن أن يتمزق إلا نتيجة ممارسة الجماع.
البكارة أمر اعتباري لا حسي
والمقرر في الفقه الإسلامي أنَّ البكارة -وهي أعم من العذرية- أمر اعتباري لا حسي؛ فهو لا يرتبط ارتباطًا عضويًّا بوجود غشاء العُذْرة؛ إذ قد يزول غشاء العُذْرة وتظل البنت بكرًا حقيقةً وحكمًا كما إذا زال بغير الوطء؛ بوثبة، أو حِدَّة حيض، ونحو ذلك، وبذلك وردت الآثار عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
روى سعيد بن منصور في "سننه" واللفظ له، وابن أبي شيبة في "المصنف": أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَجِدْهَا عَذْرَاءَ، كَانَتِ الْحَيْضَةُ أَحْرَقَتْ عُذْرَتَهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْهَا، "أَنَّ الْحَيْضَةَ تُذْهِبُ الْعُذْرَةَ يَقِينًا" ولفظ ابن أبي شيبة: "إِنَّ الْعُذْرَةَ تَذْهَبُ مِنَ الْوَثْبَةِ وَالْحَيْضَةِ وَالْوُضُوءِ".
وروى عبد الرزاق واللفظ له وابن أبي شيبة في "مصنفيهما" عن عطاء رحمه الله فيمن قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ، وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ مِنْ زَنَا، فَلَا يُجْلَدُ، لَمْ يَجْلِدْ عُمَرُ: "زَعَمُوا أَنَّ الْعُذْرَةَ تُذْهِبُهَا الْوُضُوءُ وَأَشْبَاهُهُ".
ورويا في "مصنفيهما" عن الحسن البصري: "أنه سُئل فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ. قَالَ: «لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، الْعُذْرَةُ تُذْهِبُهَا الْحَيْضَةُ وَالْوَثْبَةُ".
ورويا في "مصنفيهما"، وكذا سعيد بن منصور في "سننه" عن إبراهيم النخعي "أنه سُئل فِي رَجُلٍ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْهَا عَذْرَاءَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، الْعُذْرَةُ تُذْهِبُهَا الْوَثْبَةُ، وَالْحِمْلُ الثَّقِيلُ" وقد ورد نحوه عن سالم بن عبد الله بن عمر والشعبي وسليمان بن يسار وطاوس رحمهم الله تعالى.
ونصّ على ذلك أصحاب المذاهب المتبوعة؛ من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
زوال العذرية
والمعمول به إفتاء وقضاء أنَّ زوال العذرية أي زوال غشاء البكارة ليس عيبًا يرد به عقد النكاح، كما هو مذهب الحنفية، حتى لو اشترط الزوج البكارة في العقد، وهو رواية عن الإمام أحمد.
قلنا: زوال البكارة غير موجبة بالنكاح؛ بدلالة: من تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيبًا لم يثبت له الخيار.
فإن قيل: عقد النكاح أوجب الوطء، ولا يتوصل إلى وطء البكر إلا بإزالة البكارة، فصار إزالتها من موجب العقد.
قلنا: وقد يتوصل إليه تارة بإزالة البكارة وتارة بغيرها، بأن تزول بكارتها بمعنى من المعاني، فلم يكن إزالتها بفعل الزوج من موجب العقد] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 72، ط. مكتبة القاهرة): [فإن شرطها بكرًا، فبانت ثيبًا؛ فعن أحمد كلام يحتمل أمرين، أحدهما: لا خيار له؛ لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى ثمانية عيوب، فلا يرد منه بمخالفة الشرط] اهـ.
وهو ما جرى عليه قضاء محكمة النقض؛ حيث جاء في الطعن رقم (760) سنة (67 ق) أحوال شخصية جلسة 9/ 2/ 2002م: [المُقَرَّر شرعًا أنَّ الزوج ليس له خيار الفَسخ إذا وجد في امرأته عيبًا ما؛ لأنه يَقدر أن يدفع الضرر عن نفسه بالطلاق] اهـ.
غشاء البكارة ليس دليلا على تمام العفة
وأما من الناحية الأخلاقية: فقد اتضح أن وجود غشاء البكارة ليس دليلاً على تمام العفة أو عدمها؛ فكما هو مقرر شرعًا أن غشاء البكارة كما تقدم قد يزول بسبب اندفاع دم الحيض أو الركوب على شيء حاد أو نحو ذلك، وأن منظومة الأخلاق الإسلامية والإنسانية لا يستدل فيها على مدى عفة الأنثى بوجوده ولا بعدمه.
الستر على الناس
وإن من أجل القيم الأخلاقية التي تحكم العلاقات الأسرية والعائلية ما دعا إليه الشرع من الستر على الناس والعون على الفضيلة، روى الإمامان أبو داود والنسائي في "سننيهما" عن علي بن أمية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم مبينًا جزاء الستر: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ» متفق عليه.
زفة العذرية
وعمل الزفة المذكورة للاحتفال بثبوت عذرية الفتاة بعد الكشف الطبي عليها مخالف للمنهج النبوي الآمر بحسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات والستر على شئونهم الخاصة.
وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فعمل الزفة المذكورة مخالف للمسلك الأخلاقي النبوي، والعذرية لا ترقى إلى عدِّها قرينة على ثبوت عفة المرأة ولا نفيها، وعَدَمُها ليس عيبًا يفسخ به النكاح، والدليل على شرف الإنسان وعفته: أخلاقُه وتقواه وسلوكه الحسن بين الناس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.