الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

البخور يوم الجمعة| هل يطرد الشياطين وحكم الاستشفاء به؟.. المفتي يُجيب

الجمعة 09/ديسمبر/2022 - 12:41 م
هير نيوز

اعتاد كثير من الناس على تبخيرة يوم الجمعة باستعمال البخور والعطور قبل الصلاة فهل هي سنة نبوية أم بدعة لا أساس لها؟ 



تبخيرة يوم الجمعة


وفي بيان حكم تبخيرة يوم الجمعة وحكم العلاج بالعطور والبخور، قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، في بيانه حكم الاستشفاء بالعطور والبخور: لا مانع شرعًا من الاستشفاء بالعطور والبخور؛ لما ثبت أنَّ لهما تأثيرًا بالغًا على الصحة النفسية والبدنية، وليس ذلك من البدَعِ في شيء؛ بل هو من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته من بعده، ونصَّ عليه علماء الأمة سلفًا وخلفًا عبر القرون، وصنفوا في ذلك الكتب والمؤلفات، واجتهدوا في بيان ما يُستشفى به منهما، مع وجوب الالتزام في ذلك بما يمليه الأطباء وينصح به المتخصصون؛ حتى يؤتِيَ نفعَهُ، ويُجتنَبَ ضررُهُ؛ إذ إن تفاوت الأجساد البشرية في الصحة والمرض، والقوة والضعف، يتحتم معه تفاوت طُرق علاجها، كما أن ما يصلح لأحدٍ قد يَضُرُّ بآخر.



البخور يوم الجمعة


وتابع مفتي الجمهورية ردا على سائل يقول: يستخدم بعض الناس بعض العطور أو البخور للعلاج؛ نشرًا في الجو، أو استنشاقًا، أو بتدليك مواضع الإصابة ببعض الزيوت العطرية. ويدَّعي بعض الناس أن ذلك بدعة، وأنه لا أصل له شرعًا وغير جائز. فما حكم الشرع في ذلك؟، إن الشرع الشريف أمر باتِّخاذ كافة السُّبل والإجراءات المؤدية إلى العلاج والمداواة؛ أخذًا بالأسباب، وعملًا بالسنن الكونية التي أودعها الله تعالى في هذه الحياة؛ إذ الداء والدواء من الثنائيات المخلوقة والموجودة، إلَّا أنَّ الإنسان قد يُخطئ الدواء أو يتأخَّرُ في معرفته أو الوصول إليه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» رواه البخاري في "الصحيح".



حكم الاستشفاء بالبخور


وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أَصَبْتَ دَوَاءَ الدَّاءِ، بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى» رواه مسلم في "الصحيح"، وأحمد في "المسند" واللفظ له.

قال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 13، ط. الرسالة): [قوله: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ» على عمومه، حتى يتناول الأدواء القاتلة، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يُبْرِئَهَا، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تُبْرِئُهَا، ولكن طوى علمها عن البشر، ولم يجعل لهم إليه سبيلًا؛ لأنه لا عِلْمَ للخلق إلا ما عَلَّمَهُمُ الله، ولهذا عَلَّقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشفاء على مصادفة الدواء للداء، فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضدّ، وكل داء له ضدّ من الدواء يعالج بضده، فَعَلَّقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الْبُرْءَ بموافقة الداء للدواء، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده.. ومتى تمت المصادفة: حصل الْبُرْءَ بإذن الله ولا بُدَّ، وهذا أحسن المحملين في الحديث] اهـ.

وأكمل أن التداوي مباحٌ بالإجماع؛ كما قال العلامة المرغيناني في "الهداية" (4/ 381، ط. دار إحياء التراث)، وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم فعل التداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرضٌ من أهله وأصحابه رضي الله عنهم؛ كما قال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 9).

وقد أرشد الشرع الشريف إلى الرجوع في التداوي من الأمراض إلى الأطباء؛ لأنهم أهل الذكر والتخصص في هذا. فعن هلال بن يساف قال: جُرِحَ رَجُلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «ادْعُوا لَهُ الطَّبِيبَ»، فقال: يا رسول الله، هل يُغْنِي عنه الطبيب؟ قال: «نَعَم، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالىَ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً».





وعن زيد بن أسلم: أنَّ رجلًا أصابه جرحٌ فاحتقن الدم، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا له رجلين من بني أنمار، فقال: «أيُّكُمَا أَطَبُّ؟» فقال رجل: يا رسول الله، أو في الطب خير؟ فقال: «إِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ». أخرجهما ابن أبي شيبة في "مصنفه".

وأكد أنه لا بأسَ بالتداوي من كل علةٍ بما يُرجى به برؤها؛ كما قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (2/ 1142، ط. مكتبة الرياض الحديثة)، فإذا أرشدَ الطبيبُ المُتَخَصِّصُ إلى التداوي بشيءٍ من الأدوية المُباحة، ورأى مناسبته للمريض: جاز للمريض تعاطيه أو استخدامه.

قال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 339، ط. دار الفكر): [ويجوز التعَالجُ بكل ما يراه العالمُ بالطبِّ نافعًا ومناسبًا لصاحب المرض من الأسماء] اهـ.

وأشار إلى أن من ذلك: الطيب والبخور، ويعرف بـ"العلاج بالروائح" "Aromatherapy"، وهو نوعٌ من أنواع الطب البديل، ووسائل العلاج والاستشفاء به متعددة، ويتم باستخدام الزيوت الأساسية والغرويات المائية المستخرجة من المواد النباتية -وهي مركبات تربينية غير مشبَّعة من جزء هيدروكاربوني وجزء أُكسجيني مشتق منه-؛ لتعزيز الصحة الجسدية والعاطفية والروحية، وإحداث التوازن عن طريق العصب الشمي، الذي يؤثر بدوره في إرسال رسائل مُعيَّنة إلى الدماغ (مركز الذاكرة والتعلم والعاطفة)، فتؤدي إلى استجابات فسيولوجية سريعة، تكون قادرةً على تحسين الصحة واعتدال المزاج؛ كما أفادته الموسوعة البريطانية (Encyclopaedia Britannica).



فوائد البخور



وقد نصَّ الأطباءُ والعلماء المتخصصون بمنافع الصحة النفسية والجسدية قديمًا وحديثًا، على أن الطيبَ والبخورَ لهما تأثيرٌ قويٌّ على أعضاء الجسد؛ كالدماغ، والقلب، والكبد، والمعدة، وهو يُطيّب النفس، ويذهب الكَبْت والحزن، ونحو ذلك، وأن الطيبَ -له تأثير في حفظ الصحة، ودفع كثير من الآلام وأسبابها، بسبب قوة الطبيعة به؛ كما يقول الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 308)- استخدمه الصينيون، والهنود، وقدماء المصريين، وغيرهم في الأغراض العلاجية والروحانية؛ حتى صنَّف علماء المسلمين في العلاج بالطيب والاستشفاء بالعطر كما صنع العلامة الطبيب ابن الجزار القيرواني [ت: 369هـ] في "فنون الطيب والعطر"، والعلامة الطبيب الصيدلي أبو عبد الله التميمي الترياقي [ت: 390هـ] في كتابيه: "جيب العروس وريحان النفوس"، و"مادة البقاء، بإصلاح فساد الهواء، والتحرز من ضرر الوباء"، الموضوع في الطب الوقائي وحماية البيئة، والحافظ أبو القاسم بن بَشْكُوَال [ت: 578هـ] في "الآثار المروية، في الأطعمة السرية، والآلات العطرية"، والشيخ ابن القيم [ت: 751هـ] في "الطب النبوي".

وشدد: لذلك كان الطيبُ مِن سنن الأنبياء والمُرسلين -على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- لما يتناسب مع كمالاتهم واعتدال خلقتهم، وقد حرَصَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التعطُّر والتبخُّر في سائر أحواله وشؤونه؛ فهو أكمل الخلقِ خِلقةً وأشدهم اعتدالًا، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحثُّ عليه، ويأمر بالتداوي به.

فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الحَيَاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ» أخرجه أحمد في "المسند"، والترمذي في "السنن" وحسَّنه، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في "المصنَّف"، وحسَّنه اللخمي في "التبصرة"، والحافظ السيوطي في "الجامع الصغير".

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثَلَاثٌ يَفْرَحُ لهنَّ الْجَسَدُ وَيَرْبُو عَلَيْهِ: الطِّيبُ، وَلُبْسُ اللَّيِّنِ، وَشُرْبُ الْعَسَلِ» رواه ابن المقري في "معجمه"، وذكره ابن بشكوال في "الآثار المروية، في الأطعمة السرية، والآلات العطرية" (ص: 101، ط. أَضواء السلف).




ads