راندا الهادي تكتب: (كورة شراب)!!
كلمتان ذكرهما يعيدنا إلى عشقنا المبكر لكرة القدم (كورة شراب)، فمن الصعب إيجادُ بنتٍ أو ولد لم يلعبوا بالكرة في حياتهم… في البيت، في الشارع، فوق السطح، أو في ساحةٍ وراء المدرسة.
لها مكان، أو ليس لها مكان… نلعبها! هناك كرة، أو بدون نتصرف! ما هو السر إذن؟!لماذا كل هذا الحب لكرة القدم؟! لا نعرف!! غير أنه في هذا المقال سنعرف لماذا يجب أن نحب كرة القدم؟!
بغض النظر عن (مريام فارس) وما تُعانيه من تقلصات في أغنيتها للمونديال، أو المغني الكولومبي (مالوما) وإنهائه لمقابلة مع صحفي إسرائيلي نعت الأخيرَ فيها بالوقح!! نحن أمام حدَثٍ عالميٍّ فريدٍ من نوعه، يتكرر كل أربع سنوات، فيما عدا عامَي (1942م) و (1946م) اللذين تم إلغاءُ البطولة فيهما بسبب الحرب العالمية الثانية.
بطولة كأس العالم من أكثر الأحداث الرياضية مشاهدةً على مستوى العالم، ففي نهائي كأس العالم 2006م الذي أقيم في ألمانيا، قُدِّرَ عددُ مَن تابعَ المباراة النهائية بـ (715) مليون شخص حول العالم، كما أن المونديال هو الحدَثُ الرياضي الأعلى عائدًا من الناحية المادية في عالَمِ الرياضة، سواءٌ من الرعاة، وحقوقِ البث، وتذاكر المبارايات، أو التنقلات والحجوزات، والرواج الهائل الذي تشهده الدولةُ المستضيفة للمونديال.
عندما أعلن الاتحاد الدولى لكرة القدم فوزَ روسيا بتنظيم المونديال لعام (2018م)، وضعت الحكومةُ خُطّةً مُحكمةً لإصلاح وتجهيز الطرق والمستشفيات ووسائل النقل والملاعب وبناء (62) فندقا، بتكلفةٍ إجمالية تُقدر بـ (13) مليار دولار، وفي المقابل جنت روسيا أرباحًا تُقدر بحوالي (23.89) مليار دولار، هذا بخلاف حجم الاستثمارات الذى وَفّر (100) مليار دولار، وأرباح الفنادق والمطاعم التي تجاوزت (5.9) مليار دولار. وإضافةً لهذه الأرباح الخيالية لمونديال معشوقة الجماهير كرة القدم، هناك أرباحٌ بدنية ونفسية لا تُقدر بثمن، حيث أشارت دراسةٌ حديثة أجرتها جامعة ليدز البريطانية إلى أن مُشاهدةَ فريق كرة القدم المحبوب لديك وتحقيقَه الفوز، هو أمرٌ له تأثير إيجابي على صحتك؛ حيث يتعرض المتفرجون لضغوطٍ بدنية تعادل الذهاب في نزهة مدتها تسعون دقيقة، كما يُحفز تحقيقُ الفوز مِزاجَ المتفرجين لمدةِ (24) ساعةً كاملة بعد انتهاء اللعبة، وهذه نتائجُ لدراساتٍ أُجريت على فئاتٍ عُمرية مختلفة من مشجعي الكرة.
كما ذكرت الدكتورة (أندريا أوتلي) _ التي قادت الدراسة _ أن دعمَ فريقِك في مبارايات كرة القدم يَمنحك تمرينًا مُعتدلًا للقلب والأوعية الدموية، وكذلك يمنحك دعمًا نفسيًّا أو ركودًا، بحسب نتيجة المباراة، غيرَ أن الركودَ لا يؤذي جسديًّا إلا في حالاتِ مرضى القلب والضغط.
هل هذه الأسبابُ مبررٌ كافٍ لعِشق كرة القدم؟! هو كافٍ طبعا، ولكن هناك المزيد، الإنسان بطبعه اجتماعي يستمد قوتَه وأمنَه واستقرارَه من انتماءاته، الانتماء للأسرة، للمدرسة، للقرية، للمدينة، لبلاده، وأيضا من انتمائه لفريقٍ يشجعه، وهذا كلامُ علماء الاجتماع، الذين يَرَوْنَ في كرة القدم نوعًا مُميَّزًا من الانتماء يمنح القوة والسعادة. دعنا نضرب هنا مثالًا: ( لو دخلتَ متجرًا ورأيتَ أحدًا يشتري نفسَ القميص الذي تشتريه أنت، هل سيدفعك هذا لاحتضانه؟! أظن لا، في حين لو سجل فريقُك هدفًا… تحتضن (لا شعوريًّا) من بجوارِك لمجرد أنه يُشجع نفسَ الفريق.
ما هذه اللعبةُ التي تُحزننا وتُسعدنا، تُنسينا الخلافات وتُذيبُ الحواجز؟! ما هذه اللعبة التي تُورِثُ العَداء، وتُثير رغبةَ الانتقام والنَّيل من المنافس والشماتة فيه؟! إنها كرةُ القدم، وهذا عُرْسُها لأول مرة على أرضٍ إسلاميةٍ عربيةٍ شقيقة، فدعونا نحتفي بها كما يجب، وكما تستحق.