دكتورة عبير فاروق تكتب: الصراع الأمريكي الصيني.. لمن الهيمنة؟!!
لن يخلو العالم من الصراعات، وهذه هي سُنَّةُ الحياة التي فطر الله الناس عليها، يبدو أن النظام الدولي الجديد تتم إعادة تشكيل ملامحه، ولنا مثال على هذا: الصراع الأمريكي الصيني الذي يسعى كل طرفٍ فيه لفرض سيطرته على الآخر لإثبات هيمنته على العالم، ولكنه لن يكون صراعًا خاليًا من بعض أوجه التعاون فى بعض المجالات الاقتصادية، وبعض المجالات الأخرى.
ولكي نعرف لمن الهيمنة في هذا الصراع العالمي بين الدولتين علينا أولًا أن نعرف الحجم الحقيقي لقوة كل دولةٍ منهما. هناك مقومات نستطيع من خلالها قياس قوة الدولة، وهي تتمثل في أمورٍ عديدة منها: (العامل الجغرافي، الموارد الطبيعية، حجم السكان، الطاقة الصناعية، حجم الناتج الصناعي، الاستعداد العسكري، استقرار النظام السياسي)، وعلى الصعيد الأمريكي توجد أزمات داخلية، وأهمها في اتساع فجوة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، والمشاكل العرقية، وانقسام مجتمعي منذ انتخابات الرئاسية ٢٠٢٠ لرئاسة جو بايدن، وهذا يضع بايدن تحت ضغوطٍ لموجة التحديات الداخلية، ولن يرغب فى وضع نفسه فى مواجهةٍ مع الصين فى هذا الوقت الحالي، وكذلك الرئيس الصيني، إنهما لن يرغبان فى تسريع وتيرة الصراع الثنائي حاليًا، حيث يوجد توازن فى التصريحات، ففترة فيها حدة وفترة أخرى فيها أقل حدةً من الطرفين.
ولقد زادت قوة الصين، حيث لم تعتمد الصين على القوة الفردية لخوض هذه المعركة العالمية الكبرى السياسية والاقتصادية ضد أمريكا، بل عمدت إلى عمل التحالفات مع بعض الدول لتعزيز قوتها، وهو ما أدى بدوره إلى ظهور ما يسمى بــ(مجموعة البريكس)، والتي تتكون من دول مثل: الصين، وروسيا، والبرازيل، وجنوب أفريقيا، والهند، وفى القريب القادم: السعودية، والإمارات، وإيران، ومصر، وهو تجمع اقتصادي للدول ذات الاقتصاديات الصاعدة ذات تكتلاتٍ اقتصاديةٍ كبرى، ودول أخرى ذات أهمية چيوسياسية عالمية، ومجموعة البريكس لها أيضًا أهداف سياسية بجانب الأهداف الاقتصادية أولها تحقيق التوازن في النظام العالمي للسعي للقضاء على النظام العالمي الحالي ذو القطب الأحادي.
بعض الآراء تقول أن نشأة مجموعة البريكس هو محاولة من الصين وروسيا لكبح جماح الولايات المتحدة، والحد من توغلها وبسط نفوذها في قارة آسيا، حيث تعمل روسيا الآن على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الصين كمدخلٍ لتوثيق التعاون مع الآسيان، وفي هذا السياق أكد ممثل روسيا في اجتماع للتكتل في أكتوبر 2015 على أولويات الطاقة، والأمن الإلكتروني، وحماية البيئة، والتغيرات المناخية، والموارد المائية، والتلوث، وذلك لأنه على الرغم من امتلاك أعضاء البريكس لاحتياطاتٍ متميزةٍ من النفط والغاز إلا أن أمن الطاقة والحديث عن التكنولوجيا النظيفة كان هو الشغل الشاغل الذي سيطر على خطاب ممثلي تلك الدول.
كما اجتمع أيضًا وزراء التنمية الاقتصادية والتجارة لدول البريكس في مدينة شنغاي الصينية في مطلع أغسطس 2017 للتباحث حول قضايا التجارة الإلكترونية، وتحفيز الاستثمارات، ولم تُضيِّع روسيا من جهتها هذه الفرصة، حيث ساهمت بدورها في هذا المؤتمر لتناشد أعضاء البريكس دعم مقترحها المقدم لمنظمة التجارة.
ومن الجدير بالذكر أن نتكلم عن التنافس الاقتصادي الصيني في هذا الصدد، فالصين لديها مجالات جديدة غير تقليدية تستطيع أن تستثمر فيها، مما أدى إلى ظهور نوعٍ من هجرة بعض الصناعات من الصين بسبب زيادة التكلفة، وإذا استعنَّا بتجارة الصين في التليفونات كمثالٍ للحديث عن هذا التنافس، فاليوم نجد أنواعًا من التليفونات الصينية لا تقل جودةً بل تزيد عن أجهزة تليفونات كوريا واليابان وغيرها من منتجات الدول التي تطورت صناعيًّا، ولكي تستطيع الولايات المتحدة أن تجد لها مكانًا في هذا التنافس الاقتصادي، فالفكرة والتصميم يخرجان من عندها، والتصنيع يكون في الصين.
وفي النهاية يبقى ذات السؤال طارحًا نفسه على الساحة العالمية: لمن ستكون الهيمنة/ الغلبة في هذا الصراع؟ وهو السؤال الذي ما زال لن نجد إجابةً له حتى الآن، فطرح هذا السؤال في مقالنا هذا لم يكن الهدف منه هو إيجاد إجابةٍ له، ولكن لتوضيح ما يدور من أحداثٍ عالميةٍ تخص مصير الشعوب والحكومات والتي تعود بدورها بالتأثير على مصر حكومةً وشعبًا.
الدكتورة عبير فاروق باحثة في العلاقات الدولية