عمرو عبد الفتاح يكتب: إن الله لا ينظر إلى صوركم
خيرُ بداية كلام المولى عز وجل في سورة لقمان الآية الحادية عشرة؛ إذ يقول تعالى: { هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ}.
وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ» رواه مسلم.
الرجل الوسيم لم يخلق نفسه، والمرأة الحسناء لم تخلق نفسها، فلا هو اختار شكله ولا هي اختارت شكلها، فليس من حقه أن يتباهى بخلقه وليس من حقها أن تسير في الطرقات لتقول لمن حولها: انظروا جمالي.
إذًا نحن لم نختر أشكالنا ولا صورنا، وليس لنا الحرية في ذلك، ولكن لنا الحرية في اختيار أخلاقنا وتصرفاتنا وكلامنا، وعشرتنا لمن حولنا.
عادات سيئة منتشرة بيننا منذ زمن، وهي الحكم على الآخرين بصورهم؛ هذا جميل وذاك دميم، هذه حسناء وتلك قبيحة، وكأن القبيحة هي التي اختارت شكلها، ونجد ذلك بارزًا عند خروج المولود من بطن أمه، وسخرية الكثيرين من شكله، والأدهى أنهم لا يحتفظون برأيهم لأنفسهم، بل يقولونها بملء فيهم: هذا قبيح، وتلك دميمة، وبدلا من أن ينزلوا الفرحة على قلب الأم ساعتها ينزلون عليها الهم والنكد.
ونجد ذلك أيضًا في الأفراح تحضر بعض النساء لمعرفة شكل العريس والعروسة وأيهما أجمل، ويسخرن من العروسة إن كان متواضعة الجمال، وكأنها اختارت خلقتها.
وسبحان الله لا نجد ذلك إلا في المجتمع العربي، بل والإسلامي، أما في الغرب فنجدهم يتعاملون مع بعضهم بعضًا بأخلاقهم وليس بخلقتهم، بأعمالهم وليس بأشكالهم، ولو كان الأمر كذلك لسخرنا جميعًا من الأفارقة المفحمين بالسواد، أو ذوي الهمم الذين اختبرهم الله اختبارًا شديدًا.
علينا جميعًا أن نتقي الله في تصرفاتنا كلها، وألا يسخر أحد من أحد، كما قال الله تعالى في سورة الحجرات الآية الحادية عشرة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عدم
السخرية من الآخرين كثيرة، نذكر منها:
«عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فقال له رجل يا رسول الله, قد قسم لي من الجمال ما ترى، وإنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا، ونعلي حسنة، أفمن الكبر ذلك؟ قال: لا إن ذلك ليس بالكبر إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمط الناس».
وحديث أبي حذيفة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا - قال غير مسدد: تعني قصيرة - قال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته».
وختامًا تذكري أيتها الجميلة الحسناء البهية الطلعة الجذابة أنك لم تختاري خلقتك، فدعينا ننظر لأخلاقك التي تملكينها لا أن ننظر لخلقك الذي لا تملكينه، ماذا لو كنتِ من ذوي الهمم أو بك عور أو حول أو ما أشبه؟