سارة السهيل تكتب: فاطمة برناوي قصة نضال لا تموت
ما أسرع الأيام وهي تمضي بنا وقد حفرت
بمشاعرنا وأرواحنا ذكريات لا ننساها، وربما نغفل عنها بعض الوقت لكنها تبقى حاضرة
في بواطننا عندما نحن إلى ماضينا أو تقع حادثة سرعان ما نسترجعها.
قبيل عدة أيام قرأت خبر وفاة المناضلة
الفلسطينية -فاطمة برناوي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته- وإذا بي
أترحم عليها وأستعيد مع روحها الطاهرة معاني طفولتي، وكيف التقيت
بالفقيدة على الطائرة اللندنية عائدة الى عمان.
وأخذت فاطمة برناوي طوال الرحلة تحكي لي عن
قصة نضالها هي وزوجها من أجل نصرة القضية الفلسطينية، وكيف سجنا وحرما من الإنجاب
بعد خروجهما من السجن لكبر سنهما، وقفت لها في الطائرة احتراما وهي تجلس بجانبي وانهمرت دموعي وقلت لها: هل أنا في حلم أن أجلس بجانب امرأة عظيمة مثلك فرحت بي
كثيرا، وقالت لي: بمثلك استبشرت خيرًا بالأجيال القادمة.
كان جلوسها بجانبي مثل الحلم فكنت أسمع عن
الأبطال من النساء ولكنني الآن عرفتهم وبقيت على تواصل معها، فكنت أتلقى منها قصة
كفاحها بينما كنت فتاة صغيرة لم تلوثها الأيام ولم تفتك بعقلها هواجس الإعلام الذي
مع مرور الزمن جعل من القضية الفلسطينية قضة ثانوية مهمشة.
كانت مشاعري في ذلك الوقت شديدة البراءة ـ
وإن كنت لم أتغير وإنما الدنيا هي التي تغيرت، فقد نشأت بأسرة كانت أمي فيها
تحكي عن فلسطين وحق شعبها، وأب غرس فينا القومية العربية حب الضعفاء ونصرة أهل
الحق، كانت الفتيات معي يقبلن على الاقتداء بالمطربين وقصصهم وأخبارهم، بينما
كانت تستهويني قصص البطولة والفداء للعروبة.
كانت فاطمة برناوي تحكي تفاصيل رحلتها مع
النضال الفلسطيني فأشعر وكأنني أمام قصة بطولة حقيقية لنصرة وطن يضحي الإنسان فيه
بحياته وحياته الشخصية لاستعادة وطن مسلوب قهرا. وتواصل الفقيدة قصتها وإذا
بمشاعري الجياشه آنذاك تتفق بالاحترام والتقدير وحب معاني التضحية والفداء.
وعند انتهاء رحلة الطائرة عدت إلى عمان،
وفاطمة تعود الى الضفة، ولكنها فاجأتني باتصال هاتفي وتبادلنا الاتصالات لبعض
الوقت حتى انشغل كل واحد منا بظروفه الخاصة وضاعت أرقام الهواتف، وبقيت ذكريات
البطولة والنضال والطفولة الحية بداخلي.
وفقيدة النضال الفلسطيني فاطمة هي أول أسيرة
في تاريخ الثورة الفلسطينية؛ حيث تم اعتقالها بتاريخ 19 أكتوبر 1967 ، رحلت بمستشفي
فلسطيني بالقاهرة، لها السبق في خوض العمل الفدائي منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية
المعاصرة 1965، وهي أول فتاة فلسطينية تعتقلها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
والراحلة من مواليد مدينة القدس لأسرة
مناضلة، بدأت رحلة نضالها بعمر التاسعة، حين انتقلت مع والدتها وأسرتها من القدس
إلى مخيم للاجئين بالقرب من عمان. وقاتل والدها محمد علي برناوي في ثورة فلسطين
1936، برفقة الحاج أمين الحسيني، فبقي في فلسطين.
واعتقلت والدتها وشقيقتها في أعقاب تنفيذها
للعملية الفدائية، فعرفن مبكرا مرارة سجن الاحتلال وذقن مشاعر الفقد والحرمان من
الاهل.
واصلت فاطمة برناوي نضالها وشقيقتها ضد
المحتل الغاصب، فاعتقلت عقب عملية فدائية وحكم عليها بالسجن مدى الحياة ، ولكنها
أمضت بالسجن عشر سنوات فقط بسبب تدخل الرئيس الراحل محمد أنور السادات لدى السلطات
الاسرائلية عام 1977.
ساهمت الفقيدة في استتباب الأمن الفلسيطين
بعد قيام السلطة الفلسطينية 1994، فأسست الشرطة النسائية الفلسطينية بعد عودتها
للوطن وكانت تحمل رتبة عقيد، ومنحها الرئيس محمود عباس، وسام نجمة الشرف العسكري،
تقديرا لدورها النضالي الريادي وتضحياتها من أجل وطنها وشعبها.
وفاطمة بتقديري لم تمت، وإنما تظل حية
بقصة كفاحها ونضالها وتضحياتها من أجل تحرير وطن، وكل مواطن تحتل أرضه يبنغي أن
يكون في نضال مستمر مثل فاطمة لتحرير الأرض والوطن والعرض والشرف، فهم ليسوا
إرهابيين كما ألصق الإعلام الغربي هذه الفرية على شعب فلسطين المناضل، بل هم
وفي مقدمتهم " فاطمة " أبطال يستحقون منا كل الاحترام والتقدير.