رفيدة سالمان تكتب: الحب وأشياء أخرى
أخبرتني جدتي أن جديلة الشعر هي الوضع
المثالي له، تبدو من بعيد وكأنها وحدة واحدة، لكنها في الأصل طرفان يحتفظان
بتفردهما، لم أصغ لباقي حديثها عن فوائد الجديلة، بل أخذني ذهني للجديلة نفسها،
أترى معي؟
طرفان منسجمان تراهما فردًا واحدًا، جمال
وجودهما معًا يكمن في الانسجام رغم التفرد.. كلما اقتربت وجدت تفاصيل مستقلة
مهما اندمجا، رأيت في الجديلة صورة مثالية للحب، الحب الذي احتار المختصون في وضع
تعريف له؛ ذلك لأنه في ذاته عملية متجددة، وليس إحساسًا ثابتًا يمكن حصره في كلمات،
فالكلمات تختزل ما هو رَحِب، والحب متحرك ومتطور.
يتحرك حولك وداخلك، يفاجئك بتقبل نفسك من
قبولك له، فالحب يقتضي محبتنا لأنفسنا وإلا أصبح معرضًا للفشل.
ثم لا يتوقف على قبولك له ولنفسك؛ فالقبول في
الحب له أثر الفراشة – لا يزول – يحتضن الحياة بأكملها، وينشر في أركانها الفراشات
والحمام والسلام، نسلم ونسالم ونسامح، نسامح الناس والماضي والحاضر حتى إننا
نتصالح مع ما لم يأت بعد.. أترى ذلك مبالغة؟ كنت مثلك يومًا، لكن صدقني تلك حقيقةٌ حق أقل خطوة في مشوار الحب، وإن لم
تصدق دعك مني أنا، واجلس جلسة صفاء ثم أدر المذياع على صوت الست في رائعتها
الخالدة (أنت عمري) ستجدها على حين غفلة تخبر حبيبها قائلة: "صالحت بيك أيامي،
سامحت بيك الزمن".
يا لسحر الحب!، شعور إنساني واحد كفيل بجعل
الإنسان يصالح الأيام بل ويضحي حتى إنه يسامح الزمن!
ستجد تميم البرغوثي يؤكد كلام الست منشدًا –
البيت الأقرب لقلبي-
"
لعينيك سامحت هذا الزمان وكنت عليه طويل
العتب"
البيت الذي يحمل من الحنين واللين ما يجعل
عيناي تفيضان بالدمع وقلبي ينبض في كل مرة يمر على مسمعي، لعلك الآن تصدق كلامي وصوت
الست وشعر تميم.
لا تصدق؟ حسنًا يا عزيزي أنا أيضًا لم
أصدقهم يومًا، لكن الموعود سيطرق بابك ذات يوم فتصدق وتسلم لا محالة.
ثرثرت كثيرًا فيما مضى، وكتبت عن الكثير،
لكنني لم أكتب عن الحب؛ ذلك لأن الكتابة درجة من الغنى لا تأتي إلا بعد حصيلة
ومدى، وحصيلتي الآن تجعلني أهدأ، سامحت الدنيا، وامتلأ قلبي بالحب حتى فاض بي
فكتبته.
كتبت لأن الكتابة حب، ونحن بحاجة دومًا أن
نرى الحب مكتوب ومنطوق ومزهر.
وكتبت أيضًا لأن الكتابة إدراك، ومشاعرنا
تصبح أكثر نضجًا عندما ندرك:
- أن الحب اختيار – نعم- تلك هي المفاجأة، لا
يوجد شيء اسمه الحب الأوحد ولا يوجد حب للوهلة الأولى، المشاعر التي تنتابك مفاجأة
ربما هي انجذاب أو إعجاب، لكن الحب شراكة وإرادة وبمقدور القلب دومًا أن يحب.
- أن الحب يصل متأخرًا فدعه يصل، يأتي بعد
زوال بهرجة الإعجاب وخداع الانبهار، يأتي بالتسامح تجاه هشاشتهم ونقائصهم الطبيعية
فهم بشر .. جميلون، بالقدر الكافي لأعيننا نحن.
- أن الحبيب المثالي خرافة أسطورية تعادلها
خرافة الحبيب السيئ، لا يوجد حبيب سيئ، وإلا فهو ليس حبيبًا.
- أن كل حب منهزم وخاسر كان لشخصين بريئين لم
يكونا سوى خيار خاطئ.
- أن علاقة الحب المبهرة لا تأتيك على طبق من
ذهب، العلاقة الآمنة تبنيها بسواعدك وسواعد من تحب، بكل تفاهم وتغافل وترفّق.
- أن من أخبرنا بوجوب تقبل الطرف الآخر لنا
كما نحن كان يعلق فشله على شريكه، لا ينبغي أبدًا أن يتقبلنا أحد كما نحن مادامت
عيوبنا مؤذية ولا نسعى لإصلاحها فالسعي للتطور جوهر بناء الحب.
- أن التشابه ليس ضمانًا لنجاح العلاقة بل قد
يمثل العكس، وإنما الضمان هو "التوافق" سواء بالاختلاف أو التشابه، ما
دمنا نجيد مهارة التقبل ومهارة الاحتواء.