د محمد أبوبكر حميد يكتب: الحب والأسرة في حياة مصطفى صادق الرافعي
الحب سجدة عابد
* ما أرضه إلا جبينه
قلبي يحب وإنمـا
* إيمـانه فيه ودينه
تزوج مصطفى صادق الرافعي في الرابعة والعشرين من عمره
من فتاة مصرية صريحة النسب أخت صديقه الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي صاحب مجلة
"البيان".وقد عاش الرافعي لزوجه وفي بيته وبين أولاده مثل الزوج والأب الذي
يحترم حدوده ويعطي لكل ذي حق حقه، وحسبنا أن نقرأ ما كتبه عنه تلميذه وصديقه الأستاذ
امحمد سعيد لعريان حين شهد بقوله:
"وأنا ما عرفت
أبا وأولاده كما عرفت الرافعي إذ يتصاغر لهم ويناغيهم ويدللهم ويبادلهم حبا بحب ثم
لا يمنعه هذا الحب من أن يكون لهم أبا فيما يكون على الآباء من واجب التهذيب والرعاية
والإرشاد...".
ولم يفرط الرافعي يوما في عقد الأسرة وظل مرضيا لزوجه التي أعطت له كل حياتها وهيأت له في بيته كل ما يحتاجه رجل مفكر مثله، وما يقال عن علاقة الرافعي بالمرأة خارج محيط الأسرة فيه كثير من التجاوز للحقيقة، وما يقال عن حبه لمعاصرته الأديبة الشامية المعروفة الآنسة مي زيادة فيه من الخيال أكثر مما فيه من الواقع.
لقد هب الحب على
قلب الرافعي مثله مثل كل إنسان ولكنه لم يترك هذا الحب يعصف بحياته فسرعان ما حوله
إلى نسيم يستوحي منه أرق وأجمل مؤلفاته لغة وأسلوبا ومعنى، فليس الرافعي الذي يسلم
قياده لهواه، فإذا كان حبه أقوى منه قد كان دينه وإيمانه أقوى من حبه، وهو القائل:
الحب سجدة عابد
* ما أرضه إلا جبينه
قلبي يحب وإنمـا
* إيمـانه فيه ودينه
وقد صارح الرافعي
زوجه بحقيقة أمره مع مي زيادة الذي لم يتجاوز "الاستلهام"، وكانت أعرف
الناي بعفة زوجها واستقامته وعظيم إيمانه.
وهكذا كان الحب
في حياة الرافعي طائفا روحانيا بعيدا عن شهوات الجسد، وأوحى إلى الرافعي بأعظم ما خطه
يراع في فلسفة الحب والجمال في أدبنا الحديث، كان أولها "حديث القمر" كتبه
سنة 1912 عقب زيارة قام بها لوطنه الأصلي لبنان ومن وحي لقائه بالأديبة مي زيادة، ثم
تبعه بثلاثة كتب أخرى على شكل رسائل حب خيالية فكان "رسائل الأحزان" و"السحاب
الأحمر" سنة 1924 ثم تبعهما "أوراق الورد" سنة 1931.
رحم الله الرافعي
فقد كان عظيما في بره بأهله وعظيما في عفته وحبه.