راندا الهادي تكتب: سر الختم!!
جميعُنا
يَحتفظُ بالأسرار، سواء الخاصة به أو المرتبطة بأحد القريبين منه، وعلى مر الزمان
كانت هذه الكلمة (السِّرّ) كفيلةً بإثارة الفضول وتنشيط كل الحواس إذا ما ذُكِرت
في أي حوار، وفي محاولةٍ مني لجذب انتباه القراء، سأحكي لكم اليوم على سِرّ!!
السِّرُ
سيكون عن الأختام، كثيرًا وأنا صغيرة كان يلفت انتباهي استخدامُ جَدي دومًا لختم
صغير يضعُه في جيبه، وحِرصُه الشديد عليه، لأجد بعدها والدتي - أمينة مكتبة مدرستي
الابتدائية - تستخدم ختمًا أكبرَ حجمًا في
عملها، وإن قام بنفس وظيفة ختم جَدي، ومنذ أيام قرأتُ بإحدى المواقع الإخبارية أن
الملك ( تشارلز الثالث ) أعلن عن ختمه الجديد والمميز بحرفي ( C
و R
) حيث ترمز الـ ( C
) لاسم الملك الجديد، والـ ( R ) للكلمة اللاتينية ( Rex
) وتعني الملك.
أثارت
هذه المشاهداتُ الماضيةُ منها والحالية حفيظتي للتساؤل حول قصة الأختام وتاريخها،
غير أن الفضل لتحويل هذه الهواجس إلى مقال يعود
لبطل إحدى روايات الكاتب أشرف عشماوي ( تذكرة وحيدة للقاهرة )، حيث كان
يحمل بطلُها اسم ( عجيبة سر الختم )، وهنا ثار في عقلي هذا السؤال: أين ذهبت
الأختام؟! وأقصد هنا الأختام الشخصية وليست الحكومية بالطبع، لأن مصر لا تزال من
الدول التي تمهر أوراقها الرسمية بالأختام.
وفي
مسعاي للبحث عن هذه الصناعة المهددة بالانقراض بسبب سطوة التكنولوجيا، وجدتُ ما
يلي:
أولًا:
الختم هو قطعة رمزية قد تُصنع من معدن، أو طين، أو زجاج، أو صَلصال، أو حجَرٍ
كريم، تحمل طابعًا أو كتابة أو رسومًا، ويُعبر نقشُها أو رسمُها عن ( المِلْكِيَّة
).
اخترع
الإنسانُ الختم في الألف الخامس قبل الميلاد، وصنعَه من الحجَر الطري والطين، على
أشكال منها المُثلث، والهرم، والفأس، والريشة، والمخروط أو على شكل حيوان، وفي طرف
الختم ثُقب لتعليقِه حِليةً أو تميمةً بالمِعصم أو العُنق.
ظهرت
الأختامُ لأول مرة في بلاد الشام، حيث توارثتها الحضاراتُ المتعاقبةُ هناك، ومنها
انتقلت إلى الهند وجنوب شرق آسيا، أما العرب فقد نقلوا صناعة الأختام إلى مراحلَ
متقدمة في دقةِ النحت والرسم وأناقةِ الأختام التي رُصعت آنذاك بالأحجار الكريمة .
ووصلت
الأختامُ إلى أوروبا كغيرها من العلوم والمعارف والمهارات عن طريق الأندلس
الإسلامية و الحروب الصليبية، وبدا هذا التأثرُ جليا عندما قام الملك النورماندي (
روجر الثاني ) ملك صقلية باتخاذ خاتَمٍ عربي عليه نقشٌ لحكمةٍ عربية.
كان
الخطاط هو الشخصَ المُخول بصناعة الأختام، وبقدر مهارته تتحددُ قيمة الختم، وأعتقد
- في وقتنا الحاضر - أن العلامة التِّجارية هي أحدُ أشكال التطور الطبيعي للأختام،
وإن لم تصلْ لقوَّتها في إثبات الملكية للأثر المرهون بها.
ومن
الدول مَن استغنى عن الأختام تمامًا ليحل محلها الرموز والأرقام السرية باستعمال
الأشرطة الممغنطة، وأشعة الليزر وغيرها، وأصبح الوضعُ القانوني للختم واستعمالاته
غيرَ مُلزِمٍ للقاضي إلا للاستئناس بصحة الوثيقة، مع التوقيع، والتأشير، وأمست
الأختامُ أثرًا بعد عين، يجمعها الهواة، ويعرضونها في مجموعات، أو تقام لها مزادات
عالمية.
لكن
المؤلمَ أن استمرارَ وجود الأختام الشخصية في الدول النامية، لا يزال دليلا على
ارتفاع نسبة الأمية بين أبنائها، ولا أنسى هنا قصص استغلال جهل أصحاب الأختام في
سرقة ممتلكاتهم ونهب حقوقهم بعد استخدام الأختام الخاصة بهم!!
عافانا
الله وإياكم من ختم الجهل على العقول.