إيمان سمير تكتب: وجهان لعملة واحدة
إلى متى سأظل هكذا؟ أقضي الكثير من الوقت بالخارج حتى أبعد عن الاختلاء بذاتي؟..
قالها هاشم وهو يُحرك مفتاحه في باب بيته حين عودته متأخراً.
هذا البيت الذي بالطابق الأرضي، يطل على
حديقة صغيرة في هذا الحي الإنجليزي والذي يشعر بالبرودة داخله، فيأته دوماً في هذه
الساعة المتأخرة حتى يغفو سريعاً، فلا يسمح للأفكار أن تجول داخل رأسه، ولا يعطي
إشارة البدء لهذه المشاعر المقدسة أن تعصف بقلبه وجوارحه.
فهاشم شاب تخطى الأربعين بعام، طبيب بالخارج
يعمل كثيراً، ويذاكر كثيراً، ولكنه بشر، رجل يضع كومة مفاتيحه في يأس ثم يرفع
عينيه في مرآته حتى يرى بريق الذكاء في عينيه، هاتان العينان اللتان تراهما كثير
من النساء والفتيات، فيتحدى من يراهما أنهما لا ناظرتين فقط، بل هما دائمًا مبصرتان
لشيئ بعيد خفي، يشعر به وحده، ولكن..
يعود لبيته وحيداً مهما طال العمل والاهتمام
بالمرضى..
فقد قام بمحاولة الارتباط مرات عديدة، هذه المصرية التي تخشى لون الدم ولا تتحمل أن يكون شريكها هكذا..
وهذه الإنجليزية التي اكتشف أنها لا دينية
ولم يتحمل هذا الوضع، فهو الرجل الشرقي الذي يريد أن يُرضي قناعاته قبل قلبه،
ويكون أطفاله على عقيدته..
يريد أن يرضي عقله قبل حياته..
إذن.. أين السعادة؟
هاشم رجل لا تجد فيه أي أنثى ما يغضبها..
لكن من رؤية أخرى فهو مغترب في مجتمع متحرر به أفكار ترفضها عقيدته، مثل المساكنة وغيرها..
في مصر كان يصلي ويترك..
ولكن هنا يصلي احتياجاً للعبادة، يتوسل
بقلبه لربه أن يساعده في معرفة ماهية وجوده ومستقبله..
هذا الكائن الفنان العازف للبيانو، يطلق منه
أعذب الألحان الحزينة المواكبة للمتاهة التي يحياها..
هو الاثنان معًا، الطبيب الذي يتعلق بمرضاه
حتى تكون صداقتهم في المستقبل..
وهو العازف الإنسان الذي يمتلئ قلبه بالحب
والعطاء والمشاعر النقية المشروعة، والتي لا يعلم كيف يأمرها وإلى أين تذهب، هل
يحاول مرة أخرى فقد تُثمر عن زواج قد ينجح وقد يصبح مشوهاً وينتج علاقة تؤذي روحه
ووجدانه؟
كل ما يحتاجه هاشم هو حب حقيقي وزوجة تكن له
أم وصديقة تحتضنه حين عودته متأخراً حتى يسمع صوت عظامه من احتواء طال انتظاره..
فهو لا يريد أنثى شهية فقط، ولا بيتًا معطرًا
ومهيأً للحظات لن تتكرر مجدداً..
ففكره أبسط وأعمق من هذا في نفس الوقت..
يفتقد إنسانة تعشقه كما هو، لا تنوي تغيير
صوت النغمات في ألحانه، ولا تحاول تنظيم عشوائيته المحببة إلى نفسه.
يهرع هاشم لدخول مرقده حتى لا يضيع على نفسه
جزء من حلمه اليومي، علّه يتجسد له صباحاً ويجد من تتلو عليه بعض آيات الشكر
والعرفان وتزج به في مصاف السعداء.