رفيدة سالمان تكتب: زراعة القيم.. وقايةٌ خيرٌ من علاج
هذه المرة أرجو أن أوفق في
الابتعاد عن الموضوعات الخانقة، كنت قد فكرت في الحديث عن عدة موضوعات، كلما حاولت
الكتابة عن فكرة وجدت أخرى أكثر أهمية منها.
لاحظت طابعًا مشتركًا يجمع
تلك المواضيع، وهو أنها أفكار علاجية للمشكلات التي نراها تطفو على السطح في تلك الفترة.
قديمًا قالوا: "الوقاية
خير من العلاج" فلمَ لا نترك الحديث عن العلاج قليلًا ونلجأ لوقاية الجذور ومكافحة
أصل الشرور؟
لأيام عديدة تساءلت عن أصل
كل وباء فكري، وما وراء كل خلل مجتمعي، فوجدت كل الأسهم تشير لأصل واحد وهو "زراعة
القيم".
الأسس التي تشكل وعي الإنسان،
والأرض الصلبة التي يرتكز عليها، جذور الشجرة التي تجعل أصلها ثابت وفرعها في السماء.
إن السارق والمرتشي والفظ
والفاحش والمتحرش والمجرم ما هو إلا إنسان ذو خلل في بعض قيمه أو ربما جلّها.
فإن أردنا نشأة جيل خالٍ من
الاختلالات فلننظر إلى نشأته ونسعى لترسيخ القيم.
يقول "جين نيلسن"
في كتابه " Positive Discipline A-Z ".
إن القيم الجوهرية للإنسان
تتكون في السنوات الخمس الأولى من عمره.
عندما أخبرت صديقتي بذلك تذكرَت
في فزعٍ أنها في السنوات الخمس الأولى من عمر طفلها لم تكن فكرت بعد في تربيته، فقد
كانت لاتزال تحاول السيطرة عليه ليس إلا.
الأمر ليس بهذه الخطورة، فالقيم
الجوهرية قابلة للتجديد خلال السنوات الخمس الأولى وبعدها، لكننا نتحدث عن القاعدة
الأساسية التي توضع في ذهن طفلك، فتمكننا من إضافة المزيد برحابة ويسر.
دعنا لا نترك هذا الموضوع
بدون نقاط واضحة، واصغ إليّ فيما يلي:
"دليلك العملي لزراعة القيم"
1- الأطفال يصدقون ما يرونه لا ما يسمعونه
لذا تصرّف كما تريدهم أن يتصرفوا
وتعامل بالقيم التي تود ترسيخها فيهم، فلا تقل لطفلك لا تكذب ثم تطلب منه أن يخبر الجار
بأنك لست هنا لأنك لا تود مقابلته.
2- اختر دائرتك بحرص
هناك مثل أفريقي يقول
" It takes a village to
raise a child
"
" نحتاج قرية كاملة لتربية
طفل واحد "
سترى انعكاس بيئتك على نفسك
وأبنائك في جميع الأصعدة، فإن استطعت اجعل دائرتك تشبهك حتى إن ترك طفلك قيمك الخاصة،
وجدها صحيحة ومنتشرة في معظم دائرته، على غرار العصابات المتمرسة " زارعينلهم
رجالتنا في كل حتة".
3- القصص البناءة قبل القصص الهادمة
فقبل أن يتعرض لقصص الأميرة
التي تحتاج الأمير لينقذها بقبلة الحياة دعهم يتفكرون في تراثنا الجميل، وحدث ولا حرج
عن قصص الأنبياء والأجداد بكل ما فيها من قيم وإثارة وطموح ووصول، فعندما يرى طفلك
البئر وعرش مصر والناقة والحجر وغيرهم، ثم يتعرض لقصص الأمير والأميرة سيجدها مملة
فارغة، ولا يقتصر الأمر على قصة الأمير والأميرة فالقصص الهادمة التي تدس الخبث أصبحت
تشكل خطرًا واعدًا على أطفالنا.
4- قيم القبيلة
عندما تقل له قل الصدق فإننا
في عائلتنا لا نكذب/ دافع عن صديقك فإن عائلتنا تنصر المظلوم.. القيم الجوهرية الجماعية
تأخذ حيزًا من ثقافة الطفل وتعزز فيه الانتماء والمشاركة.
5- اختلاف الثقافات
سنقابل المختلفين عنّا، سواء
كان الاختلاف بسيطًا أو يمثل تهديدًا وجوديًا، وأفضل ما نفعله في هذه الحالات أن نكون
معهم فيما يتعرضون له، ثم نطرح الأمر للرأي والنقاش، ونتحدث عن ثقافة هذا الآخر واختلافه،
وأن هذه ثقافته وهذه ثقافتنا " لكم دينكم ولي دين".
حتمًا لا تظل الأمور على حالها،
سيكبر أطفالك، ويتركون يدك ليواجهوا العالم بمفردهم، سيكبرون ويتفحصون قيمك من جديد،
بل وربما يتمردون عليها، عليك أن تكون رحيمًا بهم، ملاذًا آمنًا لعودتهم، فحتمًا سيعودون.