الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

المحامي محمود سلامة يكتب: ملزمة/غير ملزمة.. تريند الحيرة النسوية

السبت 10/سبتمبر/2022 - 03:46 م
هير نيوز

كل فترة يطالعنا أحدهم أو تطالعنا إحداهن بالحديث في شأن المرأة، متدخلين بالتشكيك في أعمدة الأسرة وأصولها، مستخدمين الشريعة الغراء مدعين أنها لم تلزم المرأة برضاع رضيعها، وأنها لم تلزم المرأة بخدمة زوجها على الإطلاق.


ونحن نرى أن هذا يفتح الباب للتصدي له، حيث إنهم يتصدون لأمور في صلب العلاقات الزوجية والأسرية دون علم بالمادة التي يستندون إليها.


فهل ما يقولون صحيح؟        

          

ونجيب عن ذلك بأن الشرع اهتم بالأسرة اهتماما بالغا في كافة ما يخصها، ونعني بالشرع القرآن الكريم والسنة المطهرة.


فقد اهتم الشرع بتنظيم الزواج، فجعل له نظامٌ واضحٌ له قواعده المنظمة، بدءًا من قوله سبحانه وتعالى "أحل لكم الطيبات من النساء" إلى شؤون المواريث، منظمًا شؤون الأسرة والعائلة في الحياة وبعد الموت، وهو القائل "ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر".


فالزواج سنة كونية من سنن الله للتناسل والتكاثر لإعمار الأرض، فقد نظم سبحانه وتعالى الزواج والطلاق وبين أحكامهما.


فقال سبحانه "نساؤكم حرثٌ لكم" مؤكدًا على الحقوق الجنسية للرجل والمرأة في مؤسسة الزواج، حيث لا حقوق للإنسان في الجنس خارج هذه المؤسسة المقدسة، وكما أن للرجل حقوق فعليه واجبات، وكذلك المرأة والتي قال فيها سبحانه "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" فكما أن لها حقوق فعليها واجبات، وهي بالمثل مع الرجل، فعليه رعايتها والنفقة عليها وتأمين معاشها ومسكنها ومودتها والرحمة بها، كما أنها سكنه ترعاه كما يرعاها، وتراعيه كما يراعيها.


فالقول بأن المرأة ليس عليها التواجد بمسكن الزوجية تتركه كلما شاءت وتلجه كلما شاءت لهو قول فاسد حيث قال الله جل وعلى "وقرن في بيوتكن" فالبيت للمرأة هو القرار والأساس، الذي تستقر فيه، والاستقرار من مداومة السكنةدى والتواجد بحيث يصبح الغياب عنه استثناءً، وذلك بغية ترابط الأسرة والحفاظ على استمرارها باستكرار العلاقة الزوجية السليمة المستقرة بين طرفيها.


وعن القول بأن المرأة ليست ملزمة بالقيام بأعباء المنزل لأن الشرع لم يلزمها بذلك، فإننا نقول، وهل الشرع فصل للإنسان كل ما علبه وكافة ما له، فالقول بذلك يلغي العرف كمصدر من مصادر التشريع، ولذلك قال سبحانه "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" والمعروف أي المعروف مما استقر عليه ابناس في المعاملات، أي العرف السائد بين الناس، واضعًا حدودًا للالتزامات والحقوق بحيث لا يرهق الشرع أحد الطرفين بالتزامات لا سقف لها دون حدود وحقوق.


فقد قالت السيدة عائشة بنت أبي بكر وزوج رسول الله وأم المؤمنين "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله" ومهنة الأهل هي ما يقومون به من التزامات، من رعاية وخدمة لبيت الزوجية والزوج والأبناء، فكان صلى الله عليه وسلم يفعل ما تفعل زوجاته، فكان يقم البيت (أي يكنسه) ويخصف النعل (أي يصلحه) دون ان يكلف زوجًا له، كما كان يعد الطعام لأهل بيته رغم مسؤوليات النبوة وحكم الأمة.


وحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم هو المرجع العملي لأحكام الشريعة، أي النموذج الحي لما ينبغي على المسلم أن يكون، وحيث إن الله سبحانه وتعالى أمره قائلًا "خذ العفو واؤمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" فإن العرف أصبح من السنة فيما لا يخالف النظام العام لأمة المسلمين.


ولذلك جاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم منظمة للعلاقة الزوجية وشؤون الأسرة؛ وهو القائل "لا تنكبوا على نسائكم كالبهائم، وليكن بينكم رسول، القبلة والكلام" في تنظيم للطبيعة الصحراوية الجافة لشعب شبه الجزيرة، ويمتد المعنى ليشمل كل أنواع التسرع والتسليع والتبضيع للمرأة في كافة الحضارات.


وقد أوصى بالخيرية للأهل حيث قال صلى الله عليه وسلم " خيركم خيركم لأهله" كما أوصى المرأة بزوجها قائلًا "إن في حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله" قاصدًا الجخاد والجماعات وما يختص به الرجال.


فالالتزامات بين الزوجين إنما منشؤها الرضا بينهما والقبل، أي عقد الزواج شفاهةً أم كتابةً كان، فتستطيع المرأة أم تقبل الزواج بشرط أن يأتي لها بخادمة تعينها ومرضعٍ إذا لزم، فإن قدر وقبل كان ذلك مصدر لعدم التزامها المشروع وإلا فلن ينعقد العقد، ولذلك أرسى الله جل وعلا قاعدة الرضا بالنص في القرآن قائلًا "إلا عن تراضٍ منهما" والناس عند شروطهم، أي يلتزمون بما اتفقوا عليه، فيصبح العقد بشروطه وبنوده قانونهم الذي يلتزمون بأحكامه، ومصدر مشروعيته القرآن والسنة والعرف فيما لا يخالف الشريعة.


وعن الرضاع وكلامهم عن عدم التزام المرأة بالأساس بالرضاع، فنقول ما قال الله جل وعلا "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" والرضاعة هنا تحتمل الرضاعة الجسدية الطبيعية والرضاعة الخارجية أو الصناعية، والوالدة مأمورة بأن تقوم هي على عملية الإرضاع لإشباع الصغير ماديا بالشبع ومعنويًا بالاحتواء والحنان حرصًا على سلامته جسدًا وروحًا. ولمن أراد أن يتم الرضاعة عائدة على الإرضاع فيكون بالتخيير، وإنما عائدة على الحولين، أي العامين، فمن أراد أن يتم الرضاعة إلى أقصى حد فليرضع الصغير عامين، إذ أن الحد الذي وضعه الشرع لوقت الرضاعة هكذا دون زيادة.


فالأم ملتزمة بالإرضاع بأي شكل يناسبها دون إضرار بالرضيع، فالقاعدة الشرعية هي تجنب إضرار الغير قدر المستطاع، وفقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال "لا ضرر ولا ضرار" فحتى التي لا تستطيع صحيًا إرضاعًا طبيعيًّا فهي ملتزمة برضاع الصغير بأي سبيل آخر تستطيعه.

 

وفي الشرع والقانون أيضًا ، ليس على الرجل لزوجه أجر رضاعة، إذا كانت لا تزال زوجه، لأنها تستأدي منه نفقة الزوجية عموما؛ أما إذا انقضت الزوجية بينهما فإن استحقاقها لنفقة الإرضاع نظير أنها محبوسة لمصلحة الصغير والتي يكون أبوه ملتزمًا بها ولأنها لا تستأدي منه ما يشبعها مأكلًا كنفقة زوجية. فنفقة الزوجية أعم وأشمل وكذلك صفة المرأة كزوج، وفي غير الزوجية تكون بالنسبة لأبي الصغير مرضعً، فالأرضاع هكذا حق الصغير على أبيه كونه ملتزمًا تجاهه بنفقة المأكل، وفي غير الزواج تظل الوالدة ملتزمة بالإرضاع حتى لو امتنع أبوه عن أجر رضاعها، فتستمر في الإرضاع حتى لا يهلك الصغير، ويلزم القضاء الرجل بأجر الرضاع.


ونحن نتساءل: لماذا لا ينظر دعاة العصيان والتمرد إلى مقتضيات الإنسانية من أن الحياة بين الزوجين شركة قائمة على تبادل الالتزامات شأنها شأن كل العلاقات الإنسانية، ويغفلون أنها علاقة لا تقوم إلا بالمودة والرحمة.

ads