دعاء رفعت تكتب: مأساة "التعلق".. تعددت الأسباب والألم واحد
حين تنسدل الستائر
السوداء من فوق سبع سموات، وتسري بعروقك قشعريرة ألم فتترنح في ظلامك ويأكل روحك
الانتظار وتتحول إلى أشلاء مجتمعة في جسد لا ترغب به ولا يرغب بك، وتدخل في حرب
طاحنة مع الكون الذي أصبح بلا قيمة بمجرد غياب "أحدهم".
عندما تفقد لذة
الحياة، ويستولى عليك الصمت والدمع وتتعجب منك الأعين وأنت في غفلة عما يقولون،
ويبدأ عقلك في ترجمة ما يحدث بأنه "العدم" ومثلما للموت مقابر نسكنها،
فإن للعدم قبور تسكننا. وحين ترفع عينيك للسماء لعلها تنشق عن مبسم الغائب ويُغلق
القبر الذي احتل صدرك.. إنه "التعلق" مآساة المشاعر الإنسانية التي
تتحطم فوقها الأرواح.
تختلف الأسباب
التي تفسر تلك الحالة "التعلق" فهناك من يسميه الحب المشروط أو عشق الروح
لتوأمها أو الحب الذي يتحول إلى إدمان أو الحجاب الثامن وغفلة بني الإنسان عن الله..
ولكن تعددت الأسباب والألم واحد.
يُعرف البعض "التعلق" بأنه مرض قاتل يشبه الإدمان على شيء أو شخص ما، وعندما يُصيب الإنسان تصبح حياته معلقة بهذا الشيء أو الشخص إلى حد أن تتحول الحياة إلى "قبر" عندما يغيب، ويرفض جميع ملذات الحياة من طعام وشراب وملبس، ويحاول الإنفراد بنفسه في أغلب الأوقات لتفريغ حزنه الكبير في الصمت أو البكاء، أو التفكير في عدد من الأسئلة جميعها تدور في إطار ماذا سيحدث في حال فقدته؟!
ويتساءل المصاب بـ"التعلق" ما هذا الألم الذي يعتصر قلبي ويقبض صدري؟ ومن أين جاء هذا الوحش الذي يقف على الحائط في ظلامي ويخبرني بأنه قدري؟ وكيف هكذا يختفي بداخلي حب الحياة وفطرة التعلق بها؟.. هل هذا الشخص هو الحياة بالنسبة لي حقًا، أم أنني مريض به؟ وكيف أتخلص من هذا الألم؟.. ويقف متعجبًا من ذاته التي تمتليء بالألم وهي تعيد عليه ذكريات مشبعة بالحب والأمتنان لهذا الشخص في أول لقاء به، وتذكره كيف سُرقت روحه آنذاك. وينتفض لنفسه من نفسه التي ترغب في عناق آيادي شحذت السكين في صدره..
ولكن يبقى السؤال ما هو تفسير تلك الحالة؟
أرجع المؤلف
الروسي فاديم زيلاند، وهو فيزيائي ميكانيكا، أن "التعلق" يرتبط بالنظرة
المثالية للعالم، والتي تعني بشكل عام، التقييم المبالغ فيه، وهذه النظرية تُمثل
ما يُعرف بـ"الكمية الفائضة أو فائض الاحتمال" أي المبالغة في افتراض
صفات غير موجودة أو موجودة ولكن بقدر أقل من التقييم.
وعرف زيلاند،
النظرة المثالية للعالم بمصطلح "التعلق" وهي علاقة تعتمد على الأشياء
والأشخاص الذين تم التعلق بهم، ولكنه وضع شرط لهذا وهو "انتظار" فائدة
ما من هؤلاء وشبه تلك العلاقة بعلاقة "العبودية" فكل منا يعبد الكيان
الذي يراه مثاليًا، طمعًا في استجابة لشيء ما.
وعلى الناحية
الأخرى، وجد زيلاند، فارق كبير بين النظرة المثالية للعالم أو "التعلق"
وبين الحب، والذي عرفه على أنه الطاقة الخلاقة في الكون، وبالتالي، لا يمكن أن
تصبح سببًا في اختلال التوازن أو ما يُعرف بـ"الكمية
الفائضة أو فائض الاحتمال". وأيضًا وضع شرط للحب، الذي يقصده، بكونه حب غير
مشروط، أي غير مقرون بانتظار فائدة ما من الأشياء أو الأشخاص الذين نتعلق بهم.
وطبقًا لتعريف زيلاند، فإن الحب غير المشروط هو المعنى الحقيقي للحب، وهو
طاقة خلاقة للكون الخاص بنا، وكلما قلت النظرة المثالية للمحبوب أو انتظار طاقة في
المقابل، يقل مفهوم التعلق ويقل معه الخلل الناتج في التوازن الكوني للطاقة. ولكن
التعلق يعني الخلل واستدعاء قوى التوازن للعمل ضدك.
ووضع زيلاند، نتيجة واحدة للتعلق أو الحب المشروط أو النظرة المثالية
للعالم، وهي "خيبة الأمل" التي تتناسب طرديًا مع قدر التعلق. وجاء على
ذلك بعدد من الأمثلة منها:
-"إذا امتلكت المال، سأكون سعيدًا"
-"إذا لم تُضحي من أجلي فأنت لا تحبني"
والحل: استقر زيلاند، على الوقوف على "الحدود" بين الحب المشروط
والحب غير المشروط، دون الوقوع في فخ التعلق. فالأمر بمنتهى السهولة، لا تطلب
شيئًا من الآخر، وسوف لن تُصاب بخيبة أمل إطلاقًا. وعندما لا تطلب شيئًا من
الآخرين تأكد بأنهم سوف يعطونك كل شيء!..
هناك الكثير من الجدل حول ظاهرة "التعلق" وارتباطها بنظرية "توأم الروح" والذي يختلف على حقيقته علماء النفس والطاقة والرياضة، حيث يقول البعض أن سر التعلق الكبير بشخص ما، هو أنك إلتقيت توأم روحك من بين جميع البشر الذين يعيشون على الكوكب.. ولكن ما هي الحقيقة؟!
بالمعنى الميتافيزيقي، مصطلح توأم الروح، أكثر عمقًا من مصطلح رفيق الروح،
لأنه يمكن للمرء الحصول على عدد من رفقاء الروح كالأصدقاء المناسبين أو الشركاء
الرومانسيين، ولكن توأم الروح هو شخص واحد فقط.
وتقول الرياضيات: إن وجود توأم الروح مستحيل، فإذا كان لدى الجميع توأم روح
واحد فقط، فهو شخص عشوائي موجود في مكان ما في العالم. وبحساب نظرية عالم
الروبوتات التابع لناسا راندال مونرو، فأنه بحساب الأرقام، إذا كان توأم روحك من
نفس الفئة العمرية، هذا يعني أن كل شخص لديه حوالي 500 مليون شريك محتمل!.. وهذا
يعني أن فرص لقاءك بـ "توأم روحك" معدومة.
وفي الوقت الذي أعلن علماء الرياضيات رفضهم لفكرة "توأم الروح"،
أكد علماء الطاقة العكس، فطبقًا لموقع The
Science of Soulmates، فإن توأم الروح حقيقة، ويستدل على وجودهم
بعدد من النظريات الرائعة التي تعتمد على مظاهر أنماط الطاقة المتأصلة في كل شيء
بالكون. وأن الأجهزة العلمية سجلت أدلة على وجود نمط طاقة أساسي يكشف مصدر الوجود
ومصدر ظاهرة توأم الروح.
واتفق علم النفس، مع علم الطاقة مع وجود "توأم الروح"، ولكن
بوجهة نظر مختلفة، ليست تلك النظرة الكلاسيكية للظاهرة. وتقول الدكتورة شونا
سبرينغر، وهي كبيرة الأطباء النفسيين في مركز ستيلا، أنه يمكن لشريكك العاطفي أن
يصبح توأم روحك مع الحب والتفاهم بينكما. فمن الممكن أن تصبح أنت وشريكك العاطفي
"توأمين" بعلاقة مثالية وعدم قدرة أحدكما على فقدان الآخر.
ويرجع رأي الدين "التعلق" إلى ما يُعرف بالحجاب الثامن، وهو حجاب أهل الغفلة عن الله، وهو من أخطر الحجب النفسية التي يمر بها المرء، حين يتولى عن محبة خالقه، ويغرق في هواه، فيتعلق قلبه بالأشياء والأشخاص. وهنا يبدأ المرء في طريق الضلال والتعلق الذي يجعله يتنازل عن حقوقه المشروعة في سبيل أن ينال رضاء من يتعلق به، أو لأجل الحصول عليه.
والتعلق هو نوع من الأغلال يستولى على المرء الذي يغفل قلبه عن ذكر الله،
وقال الله تعالى فيهم: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره
فرطا}. الكهف:28.
ولا ينكشف حجاب الغفلة عن الإنسان ويتخلص من قيود التعلق، إلا بصدمة ناشئة
عن فقدان الشيء أو الشخص الذي تعلق به، ليبدأ رحلة البحث عما هو أعظم، ليتعلق قلبه
به، فيرجع إلى الله. أو عندما ينعم الله عز وجل عليه، بإدراك نعمة الله عليه، في
السر والعلن، ويضيء قلبه بمحبة الله، لأن القلوب فُطرت على حب المحسنين إليها.