خولة بنت ثعلبة.. الصحابية المجادلة التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات
الصحابية الجليلة خولة بنت ثعلبة، التي نزلت بسببها سورة المجادلة، وسمع الله تعالى مجادلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من فوق العرش العظيم، فأنزل سورة قرآنية كاملة تتحدث عن حكم الظهار.
والظهار في الشرع يعني أن يحرم الرجل زوجته على نفسه فيظاهرها، ويجعلها كأمه أو أخته، فلما كانت الصحابية خولة أو واقعة ظهار في الإسلام، نزلت السورة الكريمة لتبين أحكام وكفارات الظهار لتكون دستورا بعد ذلك.
نسبها ونشأتها
هي خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، من ربات الفصاحة والبلاغة وصاحبة النسب الرفيع.
زوجها هو أوس بن الصامت رضي الله عنه، وهو أخو عبادة بن الصامت، شهد بدراً وأحداً، وأغلب الغزوات مع رسول الله، وأنجبت منه زوجته خولة ولدهما الربيع بن أوس.
نشأت بالمدينة المنورة، وتزوجت الصحابي أوس بن الصامت، وعاشت معه حتى أنجبت له ولده، ولكن ما حدث بعد ذلك جعلها تتبوأ مكانة كبيرة بين نساء المسلمين، فهي التي سمع الله لها من سبع سماوات.
شجار يصل صداه للسماء
وقع شجار بينها وبين زوجها بن الصامت، فغضب منها وقال لها: "أنت عليَ كظهر أمي"، فقالت له زوجته خولة والدموع تنهل من عينيها لشدة ما سمعت منه:"والله لقد تكلمت بكلام عظيم، ما أدري مبلغُهُ".
وخرج زوجها أوس بعد أن قال ما قال، فجلس بين قومه وشرد ذهنه فيما حدث بينه وبين زوجته، ولما عاد لبيته دخل عليها يراودها عن نفسها، ولكنها امتنعت، وقالت له:"كلا... والذي نفس خولة بيده، لا تخلصنَّ إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه".
المجادلة مع النبي
خرجت خولة حتى جاء رسول الله، فجلست بين يديه، وقالت له: "يا رسول الله، إن أوساً أبو ولدي، وابن عمي، وأحب الناس إلي، وقد عرفت ما يصيبه من اللمم وعجز مقدرته، وضعف قوته، وعي لسانه، وقد قال كلمة والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً قال: "أنت علي كظهر أمي".
فقال النبي لها: "ما أراكِ إلا قد حرمت عليه"، والمرأة المؤمنة تعيد الكلام وتبين لرسول الله ما قد يصيبها وابنها إذا افترقت عن زوجها، وفي كل مرة يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أراكِ إلا قد حرمت عليه".
وأزاحت الصحابية الجليلة الصابرة نفسها واتجهت نحو الكعبة المشرفة، ورفعت يديها إلى السماء وفي قلبها حزن وأسى، قائلة: "اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي، وما شقّ علي من فراقه، اللهم أنزل على لسان نبيك ما يكون فيه فرج."
حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت وهي تصف حال خولة: "لقد بكيت وبكى من كان منها ومن أهل البيت رحمةً لها ورقة عليها".
وما كادت تفرغ من دعائها حتى تغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، ثم سرى عنه، فقال رسول الله: "يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا".
ثم قرأ عليها: لقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"، وحتى قوله تعالى "وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
ثم بين النبي لها كفارة الظهار. فقال: "قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا" ففعلت، وعادت إلى زوجها، فتجده جالساً جانب الباب ينتظرها، فقال لها : يا خولة ما وراءكِ ؟ فقالت: "خيراً، وشرحت له ما قال لها الرسول من أمر الكفارة.
موعظتها لعمر بن الخطاب
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يمر بسوق في زمن خلافته وهو على حمار، فاستوقفته لتوعظه بالرعية، فقالت له: "يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف بالموت خشي الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب."
فوقف عمر أمامها، يسمع كلامها في إمعان وقد أحنى رأسه مصغياً إليها، وكان مع عمر رجل آخر وهو جارود العبدي، فلم يستطع صبراً لما قالت خولة، فقال لها في غضب: "قد أكثرت أيتها المرأة العجوز على أمير المؤمنين".
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "دعها ... أما تعرفها؟ هذه خولة التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات وعمر أحق والله أن يسمع لها".
وفاتها ومدفنها
اختلفت الآراء في وفاتها ومدفنها، فمن المؤرخين من يقول أنها توفيت في زمن خلافة عمر بن الخطاب، ودفنت بالمدينة المنورة، ومنهم من يقول أنها توفيت بمكة، ومنهم من قال أنها توفيت بالكوفة.
اقرأ أيضًا..