أكل الأخطبوط البحري حلال أم حرام؟ «الإفتاء» تُجيب
حدد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما حرم علينا من الأطعمة، ولكن هناك حيوانات أو مأكولات لم يرد ذكرها، ويحتار الناس فيها، ومن بينها الأخطبوط الذي يعد من حيوانات البحر، فهل يعد اكله حلالا أم حرام؟ ذلك ما تجيب عنه دار الإفتاء المصرية، من خلال فتوى فضيلة لأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية.
حكم أكل الأخطبوط البحري
وقال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن أكل الأخطبوط البحري جائز شرعًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ما لم يكن في أكله ضرر بصحة الإنسان؛ كأن يكون سامًّا أو محمَّلًا بالأمراض أو غير ذلك، مما يُعْلَمُ بالرجوع إلى أهل التخصص في هذا الأمر.
امتن الله تعالى على عباده بأن أحل لهم طيبات ما في البر والبحر من الأطعمة؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: 172]، فالأصل في الأطعمة والأشربة الحل ما لم يرد دليل بتحريمها؛ قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 145].
قال العلامة نجم الدين الطوفي الحنبلي في "شرح
مختصر الروضة" (1/ 399، ط. الرسالة): [الأصل في الأطعمة ونحوها الحلّ، ليس
ذلك بناء على تحسين العقل وتقبيحه؛ بل الحجة في ذلك الكتاب والسنة والاستدلال
اقرأ أيضًا..
حكم خطبة المرأة المعتدة من طلاق الخلع.. «الأزهر» يُجيب
حرمة الأطعمة
فالضابط في حرمة الأطعمة
ورود النص بتحريمها؛ كالخنزير والميتة وما ذبح لغير الله، أو كونها مما يُستخبث أو
يُستقذر أو يضر بمن يتناوله؛ للقاعدة العامة "لا ضرر ولا ضرار"، فما لم
يرد نصٌّ بتحريمها مع كونها خالية من الاستقذار أو النجاسة والضرر جاز أكلها.
الأخطبوط
والأخطبوط من الحيوانات
البحرية الرخوية؛ من فصيلة الرأسقدمية، وهو أحد أنواع اللافقاريات التي لا
تعيش إلا في المياه، وتتغذى على اللحوم والأسماك، له ثمانية أذرع ورأس كبير وعينان
ضخمتان.
جاء في "معجم متن
اللغة" (2/ 297، ط. دار مكتبة الحياة): [الأخطبوط: "دخيلة يونانية
معرب اكتوبوس Octopous ومعناها ذو الثماني أرجل": حيوان بحري هلامي له ثمانية
جراميز في رأسه فيها محاجم يلتصق بها بتفريغ الهواء] اهـ.
وجاء في "المعجم
الوسيط" (1/ 9، ط. دار الدعوة): [(الأخطبوط): حيوان بحري أسطواني الشكل له
ثماني أرجل رأسية يضرب به المثل في شدة التشبث بما يمسكه] اهـ.
والأصل في كل ما خرج من
البحر من الأطعمة هو الحل؛ لعموم قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ
الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [ المائدة: 96].
جنس السمك
اقرأ أيضًا..
حكم المضمضة في الوضوء مع تركيب الأسنان من الذهب والفضة.. «الإفتاء» تُجيب
الحياة خارج الماء
والوجه الثاني: يحرم، وهو
مذهب أبي حنيفة.
الثالث: ما يؤكل نظيره في
البر كالبقر والشاة وغيرهما: فحلال، وما لا يؤكل كخنزير الماء وكلبه فحرام؛ فعلى
هذا ما لا نظير له حلال] اهـ.
وعند الحنابلة: أنه يباح
أكل كل حيوان البحر إلا الضفدع؛ لكونه من المستخبثات، والتمساح؛ لكونه ذا ناب
على أحد القولين، وكل ما له نظير محرم في البر كالخنزير؛ قال الإمام ابن قدامة في
"الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 558، ط. دار الكتب العلمية):
[حيوان البحر يبــاح
جميعه؛ لقول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ
وَطَعَامُهُ﴾ [المائدة: 96]، إلا الضفدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
نهى عن قتلها؛ ولأنها مستخبثة.
وكره أحمد رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ التمساح؛ لأنه ذو ناب، فيحتمل أنه محرم؛ لأنه سبع، ويحتمل أنه مباح للآية.
وقال ابن حامد: يحرم الكوسج؛ لأنه ذو ناب، وقال أبو علي النجاد: لا يؤكل من البحري
ما يحرم نظيره في البر، ككلب الماء وخنزيره وإنسانه، والأول أولى] اهـ.
وقال في "الشرح
الكبير" (11/ 87، ط. دار الكتاب العربي): [(وجميع حيوان البحر مباح؛ لقول
الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾، إلا الضفدع
والحية والتمساح، وقال ابن حامد: إلا الكوسج) كل صيد البحر مباح إلا الضفدع، وهذا
قول الشافعي] اهـ.
وقال الإمام أبو البركات
مجد الدين ابن تيمية الحراني الحنبلي في "المحرر في الفقه" (2/ 189، ط.
مكتبة المعارف): [ويباح حيوان البحر كله إلا الضفدع، وفي التمساح روايتان] اهـ.
ومقتضى ذلك أن جمهور
الفقهاء على حل أكل حيوان البحر، واستثنى بعض الشافعية من الحلّ: ما كان له نظير
محرم في البر، واستثنى الحنابلة ما كان مستخبثًا؛ كالضفدع، ولهم في ذي الناب
-كالتمساح- روايتان.
والحاصل أن الأخطبوط خارج
مما قد استثناه الفقهاء مما يباح أكله من حيوان البحر، فهو مباح الأكل، ما لم يكن
في أكله ما يتضرَّر به الإنسان في صحته؛ كأن يكون سامًّا أو محمَّلًا بالأمراض أو
غير ذلك، مما يُعْلَمُ بالرجوع إلى أهل الاختصاص؛ لما قد تقرَّرَ في القواعد
الفقهية أنه "لا ضَررَ ولا ضِرارَ".
وبناء على ذلك: فإنه يباح
شرعًا أكل الأخطبوط البحري؛ أخذًا بقول جمهور العلمـاء، ما لم يكن في أكله ضرر؛
وفقًا لما يقرره المختصون.